خيم الحزن على الأسرة الدبلوماسية يوم أمس ٢٣ أكتوبر، لوفاة الزميل السفير سلطان العزعزي، الدبلوماسي المحترف، الدمث الأخلاق، الطاهر السيرة والمظلوم حيًا وميتًا.
الفقيد امتهن الوظيفة الدبلوماسية لتكون هي وليس غيرها حاضره ومستقبله وحاضر ومستقبل أسرته وعنوان نجاحه في الحياة. النجاح الذي يتوج عندما يصبح الدبلوماسي سفيرًا عاملًا يمكنه منصبه الذي يستحقه هو وليس غيره من ترتيب حياته عند التقاعد بما ادخره وهو سفير عامل، لأن جل الدبلوماسيين من أسر متواضعة الدخل أو فقيرة، ورأسمالهم هو التعليم وحده وكفاءة أدائهم. معاش التقاعد في الخارجية، المفقود اليوم، يدعو للأسى، ومتوسطه لا يزيد عن خمسمائة دولار في عصر الريال المستقر. وللمقارنة يتقاضى سفير جيبوتي، طبقًا لزميل عاصره في عاصمة أوروبية، خمسة آلاف دولار.
الدبلوماسي اليمني ليس له دخل غير مشروع ككثير من أقرانه في الخدمتين المدنية والعسكرية. لذلك يعتبر استبعاده من حقه في العمل كسفير، ثم التقاعد، كابوسًا له ولأسرته، وتراجعًا حادًا في مستوى معيشته، ونكبة لعدم قدرته على رعاية نفسه وأسرته طبيًا في شيخوخته، لأن وزارة الخارجية لم تفكر يومًا ما بمنح دبلوماسييها وإدارييها مرتبًا تقاعديًا كافيًا، ولم تمنحهم تأمينًا طبيًا سواء وهم في الخدمة أو عند التقاعد، لأن المهم لديها هو الحرث بهؤلاء ثم الرمي بهم إلى هاوية الفاقة والمعاناة عند التقاعد.
السفير سلطان العزعزي كان من السفراء غير العاملين الذين حصلوا على درجة سفير فقط، وهي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تنقذ عند شدائد التقاعد. عندما تراه تقول هذا الرجل النبيل خلق لكي يكون دبلوماسيًا، ولكن كيف عاش في سنواته الأخيرة؟ تجيب على السؤال معاناة عشرات السفراء غير العاملين المقيمين في الوطن أو المشردين.
لقد تأهل المرحوم العزعزي لكي يصبح دبلوماسيًا جديرًا بوظيفة تحترم في كل دول العالم إلا في اليمن.
إن مايتطلع إليه الدبلوماسي هو حياة وظيفية مستقرة، وأن يطبق القانون في السلك الدبلوماسي، ويخلو من الاستثناءات والانتهاكات. ولكن القانون الذي قيل إنه مثل حمار يركبه القادر، ركبه صانع القرار، ثم تدخل جهاز الأمن في الوظيفة الدبلوماسية عند التوظيف والترقية والتعيين في الخارج. قال وكيل سابق للأمن في جمع صغير لموظفي الوزارة عند صحن مدخلها، قبيل الوحدة: "قد معانا ٥٠% من موظفي الوزارة"، وكان ردي عليه يا حسن تكفيكم هذه النسبة لتراقب الخمسين الأولى الخمسين الثانية.
الوظيفة الدبلوماسية أهينت واحتقرت بتدخل الأمن في شؤونها، الذي نتج عنه فساد مالي وإداري بشع، وكمثال أورد ما سمعته من زميل أن فلانًا قال إن لديه ما يكفي أحفاد أحفاد أحفاده. هل كان لدى السفير العزعزي ما يكفي قوت يومه هو وأسرته في سنوات الدبلوماسية العجاف التي تجاوزت السبع؟ لا. لم يكن لديه ما يقيه الفاقة، ومثله غالبية الدبلوماسيين الذين يُحمّلون صانع القرار قبل عام ٢٠١١ وبعده، سوء أوضاعهم المعيشية والصحية، لمنحهم من لا يستحق وظائفهم كسفراء عاملين وكدبلوماسيين، ثم اكتساح غير الدبلوماسيين اليوم للسفارات، حتى أصبح الدبلوماسي المنتمي للوظيفة غريبًا، وضمن أقلية.
في هذا الصدد، أستغرب زعم البعض المطالبة بدولة مدنية ودولة يحكمها القانون والمساواة، ثم قبولهم السطو على وظيفة غيرهم، والإضرار المتعمد بمصالحهم عندما يعملون كسفراء في وظيفة لم يؤهلوا لها ولم يتدرجوا فيها ابتداءً من ملحق دبلوماسي وحتى درجة سفير.
بجانب لوم هؤلاء المتطفلين، يوجه اللوم إلى قيادات الخارجية، ابتداء من أواسط ثمانينيات القرن الماضي التي لم تقاوم، ولم تحافظ على مصالح موظفيها، وكانت مطواعة لتنفيذ قرارات عليا وأمنية تنتهك القانون الدبلوماسي، وتعتدي على مصالح الدبلوماسيين.
اليوم هناك عشرات السفراء غير العاملين نتيجة لانتهاكات قانون السلك الدبلوماسي، أما السفارات فيقود معظمها سفراء لا ينتمون إلى السلك الدبلوماسي.
السلطة حتى اليوم تعامل الدبلوماسي المحترف كقاصر، والقلة من السفارات التي يرأسها قائمون بأعمال محترفون من السلك الدبلوماسي، تضن عليهم "الشرعية" بالتعيين كسفراء ربما انتظارًا لمنح هذه السفارة أو تلك لضابط أو لسياسي أو لطبيب أو لقريب.
نسمع عن المطالبات المتكررة بـ"استعادة الدولة"، والبداية هي باحترام المال العام والقانون، ومنه قانون السلك الدبلوماسي الذي لا يمنح رئيس الدولة إلا نسبة محدودة من السفراء، هي ٢٠% لا غير، وليس العكس.
عندما أتذكر معاناة الدبلوماسيين من السفراء كالسفير العزعزي، أو السفير الذي يعمل سائقًا في شركة أوبر خارج اليمن، أو الدبلوماسي الذي يعمل سمسارًا، تزداد قناعتي بتحميل مسؤولية معاناتهم لصناع القرار بالأمس واليوم، ولمن اغتصب وظائفهم.
هؤلاء جميعًا لم يتوقفوا عن الرطين عن الدولة المدنية وحكم القانون والمساواة، وعند التطبيق يفشلون ويتصرفون كأن الدولة والوظيفة الدبلوماسية شأن خاص أو مجال واسع للمحسوبيات على حساب مصالح آخرين.
في الختام، أتساءل عن وضع عائلة السفير العزعزي إذا لم تجد لقمة العيش نظرًا للغياب الطويل للمرتب وغياب عائلها الذي ربما كان قادرًا على تدبير بعض شؤونه من أقارب أو أصدقاء حتى يأتي الفرج!