كانت تعز يومها تعيش في شارع 26 سبتمبر الأثير إلى النفس والروح، وكنت تحس بحالة من النشوة وأنت ترد على السائل:
"كنت عند المستودع الشرقي"
أما إذا قلت كنت عند طه أو علي، فقد ملكت المجد، وعلي وطه بقمصانهما البيضاء وبنطلوناتهما السوداء، محل إشارة تعز كلها، والتي كانت يومها لاتزال تحب برعاية ثورة 26 سبتمبر الخالدة.
وأنا ذهب بي والدي ثاني يوم دخولي من القرية إلى تعز، إلى المستودع، وهناك التقى الدريول الأكثر أناقة "هزاع عبدالله مقبل"، وطلب منه أن يذهب بي فسحة في قلب تعز، وعلى السيارة لاندروفر المزركشة وصوت الهون أبو ثلاثة، صعدنا عقبة العرضي، وأنا متمسك بكل شيء خوفًا من التزحلق الذي لم يحصل! تخيلتها حمار عمي!
بعد دقائق وجدت نفسي وقد عدنا ولأول مرة أرى مقهاية الإبي التي لاتزال تقاوم رغبة المندثرين في سحقها!
"وادي العجب" وادٍ جميل يموج بخضرة الصيف كموج بحر عدن... من هناك أتى من أطلق عليهم "الدُّلاة" أو بيت "الدالي" إلى عدن، عبر الطريق التي تنتهي بقدس عند أقدام "المصلى" آخر نقطة كانت تصل إليها السيارة وبوابير "الدوش وعنترناش ودبل إجزاز" وسيارة أحمد باولة! يجد الجميع أنفسهم في دكان ابن نعمان راجح الشهير طوال بقاء بريطانيا في عدن...
وادي العجب اسمه عجب مثل جماله...
إذ يهل الصيف تنبعث الحياة أمواجًا من خضرة تشبه كحل الليل... من هناك أتوا بيت الدالي، وإلى عدن وكينيا تدفقوا وأبدعوا وكونوا الثروة، لم يأخذوا حق أحد، ولا ادعوا بطلانًا وزورًا تجاه أحد...
على عهد جيلي عرفنا أسماء الثلاثة:
عبدالله شمسان الدالي
أحمد شمسان الدالي
إسماعيل شمسان الدالي
كان لهم عدن مستقرًا ومقامًا وهم من ألبسوها ساعات الرولكس التي ظلت إلى اليوم يشار إلى سواعد من يرتديها بالغبطة والإعجاب...
ومن عدن تدفقوا إلى تعز، فكان المستودع الشرقي المكان والمكانة، إن احتجت ضمانة ذهبت إليه، وإن احتجت تبرعًا مررت عليه، وإن أردت دعمًا لثورة 26 سبتمبر فلا تتردد، فهناك المقصد الذي لا يخيب قصدك..
وشباب بالعشرات حملوا ضماناتهم وذهبوا إلى كليات الثورة العسكرية والمدنية، وإلى دنيا الله، حيث ابتُعثوا ليتعلموا ويعودوا بالتخصصات، يبنون بلادهم التي خرجت من عهد مريع!
ظل الشرقي متكأ لتعز، ولمن يأتي إليها.. ومن تعز تدفق إلى الحديدة، ومنها صعد إلى صنعاء، وطرز شارع عبدالمغني، حتى حان وقت الذهاب.
بيت الدالي لهم تاريخ من علاقة بالثورة والجمهورية، وجديد روعي في معظم شهادات شباب الرجال...
الآن يشار إلى أسمائهم بالتقدير والاحترام:
عبدالله شمسان
إسماعيل شمسان
و
أحمد شمسان
الدالي.
والمستودع الشرقي لايزال في أذهان من عمروا عدن طوال سنوات بريطانيا حتى سنوات الجنان..
سلام على أرواحهم سلام