أمل بلجون هي اليمن مكثفًا.. اليمن الحزين، من تتجسد فيها صورة حقيقية للوطن اليمني الذي يئن تحت وطأة الحروب، والفقر، والإهمال.
أمل، الإعلامية القديرة التي أعطت صوتها للوطن عبر الأثير لعقود طويلة، باتت اليوم تعيش في واقع أشبه بما يعيشه وطنها؛ واقع مؤلم من النسيان والتجاهل، بينما الشخصيات السياسية تحصد ثروات وألقابًا دون اكتراث لمصير من بنوا أركان هذا الوطن بصبر وتفانٍ.
حين نقول إن أمل بلجون هي اليمن مكثفًا.. اليمن الحزين، فنحن نشير إلى التضحيات التي قدّمتها للوطن دون أن تنتظر مقابلًا. أمل هي تلك الروح النقية التي ظلت صامدة رغم المصاعب والكوارث، فاستمرت بصوتها وجهدها في نقل الحقيقة ونقل الحزن، كما فعلت عندما قرأت نشرة الأخبار بعد أحداث يناير 1986، وهي لحظة تجسد رمزية كبرى في الإعلام اليمني. دموعها آنذاك التي رصدها زميلي فتحي أبو النصر، لم تكن مجرد تعبير عن ألم شخصي لفقدان شقيقها، بل كانت تعبيرًا عن الحزن الوطني الذي أصاب كل بيت يمني، هي تجسيد حي لصوت الوطن الجريح.
وتمامًا كما اليمن اليوم، أمل بلجون تعيش في قهر وخذلان، رغم سنوات العطاء الطويلة، تعيش في شقة صغيرة في القاهرة، بمبلغ تقاعدي زهيد لا يكفي لتأمين حياة كريمة لها ولعائلتها. بينما اليمن الذي تحبه كبيرًا، وكانت تغنيه في كل نشرات الأخبار والبرامج التي قدمتها، يعيش في نسيان من العالم، لا يجد من يسمع صوته أو يقدّر تاريخه العريق. أمل بلجون هي اليمن المكثف.. اليمن الحزين، لأنها تمثل الصمود والعطاء بمواجهة النكران، والتجاهل.
ونشدد على أن اليمن الحزين.. اليمن مكثفًا، هي أمل بلجون اليوم. فيما يعيش اليمنيون اليوم في ظل الحروب والصراعات والانقسامات. أمل ليست فقط إعلامية تتلقى الفتات، بل هي صورة رمزية لليمن الذي يتلقى الفتات من المجتمع الدولي، بينما يعاني الفقر والدمار والانهيار الاقتصادي. تمامًا كما تعيش أمل على فتات معاش لا يكفي حتى لسد احتياجاتها اليومية، تعيش اليمن على مساعدات إنسانية لا تكفي لسد جوع الملايين، بينما تُهدر ثروات البلد في جيوب الفاسدين والمتحكمين بمصيرها.
والمفارقة القاسية في حياة أمل بلجون، تظهر بوضوح عند مقارنة واقعها الصعب برواتب ومخصصات المسؤولين الحكوميين الذين يعيشون في رفاهية مطلقة. في الوقت الذي تتقاضى فيه أمل بلجون 90 ألف ريال يمني، أي حوالي 46 دولارًا فقط، يتقاضى وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة الحالية ثلاثة رواتب ضخمة بالدولارات، غير البدلات والمخصصات التي يحصل عليها. هنا تظهر المأساة: أمل التي أمضت حياتها في خدمة الإعلام الوطني، تعيش في فقر مدقع، بينما المسؤولون ينعمون بثروات هائلة وامتيازات لا حصر لها. كيف يمكن لضمير وطني أن يتقبل هذا التناقض؟
ليس هذا فحسب، بل نسمع عن مسؤولين آخرين في الحكومة الشرعية الذين بنوا لأنفسهم حياة مرفهة في الخارج، حيث يمتلكون زوجتين وشقتين وسيارتين، وكأنهم يعيشون في عالم آخر بعيد كل البعد عن واقع اليمنيين. هذا ليس مجرد فساد مالي، بل هو فساد أخلاقي يعكس عدم احترام تضحيات الشعب اليمني، ولا سيما تضحيات شخصيات مثل أمل بلجون.
إذا كانت أمل بلجون هي اليمن مكثفًا.. اليمن الحزين، فهذا يعني أن تكريمها والاعتراف بما قدمته يجب أن يكون أولوية قصوى، لأنها تمثل الرمز الوطني الذي يجب أن يُحتفى به. وما يعيشه اليمن اليوم من فساد وتهميش يجب أن يتوقف. كما أن هذه القيادات التي تتنعم برواتب ضخمة ومزايا غير مستحقة، يجب أن تكف عن استغلال المناصب العامة من أجل مصالح شخصية.
لا يمكن لليمن أن يتعافى إذا كان رواده ومبدعوه يُهملون بهذه الطريقة، وإذا كانت أصواتهم تُطمس لصالح من لا يعطون شيئًا للوطن. آن الأوان للقيادة اليمنية أن تنظر إلى حالة أمل بلجون بعين التقدير اللائق والمستحق. كما أن على المجتمع أن يتذكر هذه الشخصيات التي قدمت كل شيء للوطن، وأن يعيد لها الاعتبار الذي تستحقه في حياتها قبل أن يغيبها الموت.
نعم، أمل بلجون هي اليمن مكثفًا.. اليمن الحزين، ويمكنكم أن تتأملوا العبارة، وربما لن يمسكم الخجل.. أعني المسؤولين.. بينما يجب أن تكون دعوة للتأمل والتحرك. يجب أن نتوقف عن السماح لهذا الحزن بأن يستمر، يجب أن نعمل على إعادة الفرح لأمل ولليمن، من خلال تصحيح المسار وإعادة الاعتبار لكل من قدم شيئًا كبيرًا لا يقدر بثمن لهذا الوطن.