جزيرة سقطرى، جزيرة ضاربة جذورها في أطناب التاريخ والجغرافية اليمنية، حكمتها الممالك اليمنية القديمة، وبخاصة المملكة الحميرية، والدول اليمنية المتعاقبة بعد الإسلام، والحكومات اليمنية الحديثة، ولم يقتصر ذلك على جزيرة سقطرى فحسب، وإنما شمل أيضًا الجزر اليمنية الأخرى في البحر الأحمر وبحر العرب، وأهمها جزيرة زقر وتوابعها، وأرخبيل حنيش: جزيرة حنيش الكبرى، وجزيرة حنيش الصغرى، وجزيرة سيول حنيش، وجزيرة كمران، وفيها محمية طبيعية تقع في شمال الجزيرة، وجزيرة ميون الاستراتيجية التي تقع في مدخل مضيق باب المندب، ويعقبها جزر أخرى في بحر العرب، أهمها جزيرة سقطرى وأرخبيلها ترويسة موضوعنا.
تعتبر سقطرى محمية طبيعية، تبلغ مساحتها 3625 كيلومترًا مربعًا، وعدد سكانها 50 ألف نسمة. وتوصف -حسب المؤرخين والباحثين- بأنها درة اليمن، عامرة بالأشجار العطرية، لهذا كانت مقصد العطارين من كل أوب وصوب، وما زاد الأمر أهمية، هو تأثير مملكة حمير على الجزيرة من خلال الخط المسند أو الخط الحميري الذي يسميه المستشرقون خط النصب التذكارية، ويعتبر (نظام كتابة) قديمًا تطور في اليمن قرابة القرنين التاسع والعاشر قبل الميلاد، وهو أحد ضروب الكتابة السامية في اليمن، ويتألف من 29 حرفًا، وتطابق أصواته وعدد حروفه خط العربية، ويزيد عليه حرفًا يسميه الباحثون "السين الثالثة".
وتتميز جزيرة سقطرى أيضًا بأشجار "دم الأخوين"، وهي الشجرة الأندر في العالم، ويعود ذلك إلى أسطورة يمنية تقول إن الأخوين قابيل وهابيل هما أول من سكنا هذه الجزيرة، ولما قتل قابيل هابيل، وسقط دمه على الأرض، نبتت هذه الشجرة، ويعود تاريخها لملايين السنين، ولها استخدامات طبية كبيرة، حيث ذكرها العلماء العرب والمسلمون في مؤلفاتهم، وعلى رأسهم "ابن سينا"، وتستخدم المواد المستخرجة من لحائها في علاج الجروح، والتقرحات، وتقوية الجهاز الهضمي.
من الجدير بالذكر، أن بحر العرب في التاريخ هو "البحر اليماني أو البحر اليمني"، وفقًا للمؤرخين: عبدالملك الأصمعي، وياقوت الحموي، ومحمد الإدريسي، وأبي الحسن المسعودي، وأحمد بن الحسن بن يعقوب الهمداني، ويحده من الغرب البحر الأحمر (بحر القلزم)، ومن الجنوب المحيط الهندي.
وللعلم، إن الشريط الساحلي لليمن يبلغ طوله 2500 كيلومتر، وبمساحة بحرية شاسعة تشمل جميع الجزر اليمنية في البحر الأحمر وبحر العرب، وعددها 379 جزيرة، منها 160 جزيرة عبارة عن جزر صخرية صغيرة نشأت بعامل البراكين النشطة في البحر الأحمر وبحر العرب.
وبالتالي، فإن مجموع الجزر اليمنية المتبقية 219 جزيرة، بما فيها أهم الجزر التي ذكرتها آنفًا، ويحلو لي وصفها بأنها هبة الله القدير لليمن؛ لغناها بالثروات الطبيعية التي لا حصر لها، أهمها: الثروة السمكية الهائلة والمتنوعة التي قلما يوجد لها نظير في العالم، ويتوفر فيها أيضًا اللؤلؤ والمرجان، وتتميز بالشعاب المرجانية، وسياحة الغوص، وكذا بأنواع الطيور والأشجار النادرة، إلى جانب المحميات الطبيعية، وتوافر الآثار، وبخاصة في جزيرة سقطرى.
وتعتبر الجزر اليمنية أيضًا مخزونًا للثروة النفطية والغازية والمعدنية، فضلًا عن أهمية موقعها الاستراتيجي المتميز في العالم... الخ.
حقًا، إنها لآلئ ودرر، وتحف نادرة، ومتحف طبيعي أخاذ، جعلها قبلة أنظار السواح والرحالة، ومرتادي ركوب البحر.. للأسف لم يحسن اليمنيون استثمارها، وكما قالت العرب "جواهر بيد فحام"، مما جعلها ساحة للتنافس يسيل من أجلها لعاب الطامعين.
وبناء عليه، تتعرض الجزر اليمنية حاليًا -حسب مراقبين وإعلاميين- لاعتداءات دولية وإقليمية سافرة، مستغلين أوضاع اليمن العصيبة. والغريب في الأمر، أن ذلك يحدث بعيدًا عن أعين الرقيب، وبادعاءات باطلة لا تنم عن فهم وإدراك الواقع الجغرافي والتاريخي للمنطقة.
ويؤكد مراقبون بقولهم إن بعض الجزر اليمنية تتعرض للتجريف، وتنصيب قواعد عسكرية، والإحلال السكاني، مما يعتبر انتهاكًا لسيادة اليمن وسلامة أراضيها واستقرارها، وبما يخالف ميثاق الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، ومبادئ القانون الدولي، والشرائع السماوية.
ومن هذا المنطلق، إن أقل ما يجب أن يقوم به المعنيون، هو التأكد من هذه الأخبار المتداولة والمزعجة للشعب اليمني، متمنيًا أن تكون عارية من الصحة، إلا إذا ثبت العكس، فإنه في هذه الحالة يتطلب رفع شكوى تعمم إلى الأمام المتحدة، ومجلس الأمن، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجميع الاتحادات والمنظمات الدولية والإقليمية، كوثيقة رسمية تثبت أن جزرًا يمنية تنتهك سيادتها.
قمين بالذكر، أن الأوطان لا تؤخذ بالتهديد والوعيد، ولا بالبيع والشراء أو التأجير والاستئجار أو التنازل، فهي ملك شعوبها.
إن اليمن ترحب بكل سرور باستثمارات الدول الشقيقة والصديقة، بموجب القانون اليمني للاستثمار.
جوهر القول، إن الشعب اليمني تواق لأن يسمع ما يسعده في هذا الشأن، لتطمئن القلوب، وتطيب النفوس، ويشرح البال، وتسر الخواطر في أحلك ظروف اليمن قتامة.
حفظ الله اليمن وأهلها من عوادي الدهر ونكبات الزمن.