أُشهدك أنني ما رأيت إلا كل جميل، تَسوقنا في الحياة بقدرٍ غامض، كأننا أوراقُ شجرٍ تتهادى بين أنفاس الريح، لا ندري إلى أين تحملنا، لكننا نوقن أن اليد التي تُمسك بنا هي يدُك، وأن الطريق، مهما كان طويلًا، ينتهي عندك.
اصطفيتَنا من بين الركام، وجعلتَنا نُعاين الحقائق كما هي، عاريةً من زينة الدنيا التي خدعتنا طويلًا. هدمتَ معابد الشهوة، تلك التي عبدنا فيها المال والسلطان، فشعرنا بثقل الضياع حين تهاوت تلك المعابد أمام أعيننا. كل ما كان يأسرنا صار حطامًا بين أيدينا، وحينها، فقط حينها، أدركنا أنَّك وحدك الحُرية التي كنا نفتقدها، وأن الحقيقة ليست ما يُقال لنا، بل ما نُحسه في عمق ذواتنا.
أغلقتَ أبوابًا، لكنك فتحت لنا أخرى. جعلتنا نرى في عتمة الطريق نورًا بعيدًا، وتركْتَ لنا خيار الوصول إليه، أو البقاء في الظلام. ما أكبرَ هذا الاختيار وما أثقلَه! جعلتنا نعيش اختبارًا لا ينتهي، حيث نختار كل يوم بين طريق الخير الذي يضيء لنا بالعدل، وبين طريق الشر الذي يُعمينا بالظلم.
إلهي، هل نحن قادرون على تحمل هذه الحرية التي منحتنا إياها؟ هل نحن أهلٌ لهذا النور الذي تسكبه في قلوبنا حين نختار؟
عرَّيتَنا أمام أنفسنا. من أراد أن يرى، رأى. ومن اختار العمى، فمضى في طريقه بلا هداية. في رحمتك، تركتَنا أحرارًا، وفي قوتك، تركتَنا نختار. لكننا، كلما ظننا أننا اخترنا، اكتشفنا أن الطريق يعود إليك. كلما ابتعدنا عنك، رجعنا لنبحث عنك في وجوه الغرباء وفي حكايات الذين سبقونا.
رجفت قلوب من ظنوا أن المال هو السند، وثبتت قلوب من عرفوا أنك وحدك الملجأ. هؤلاء الذين رضوا بما قسَمتَ لهم، أرضيتَهم بنورك وملأتَ قلوبهم بالسكينة. أما أولئك الذين أصروا على العناد، فأذللتهم بظلام قلوبهم، وجعلتَهم يتخبطون في الحياة كما تتخبط السفن في عواصفها، لا شاطئ يأويهم ولا أمل يضيء ليلهم.
إلهي، أنت الحق، والحق لا يفنى ولا يتبدد. في كل لحظة، تكتبنا بيدٍ خفية، وتجعلنا نفهم أننا لسنا سوى حروف في كتابك العظيم.