يقف الأستاذ أحمد القدسي، 59 عامًا، في جولة المسبح وسط مدينة تعز بائعًا متجولًا للمناديل الورقية ولعب الأطفال. أمضى الرجل 30 عامًا في حقل التعليم، ومنذ العام 2016 فقد راتبه وعجز عن سداد إيجار المنزل. أجبرته ظروفه المعيشية الصعبة على بيع الأثاث والنزوح لأكثر من محافظة قبل أن يستقر به الحال موجهًا بدون راتب في مكتب التربية والتعليم.
يحتفل المعلمون اليوم بعيدهم العالمي، لكن معلم آخر (طلب عدم ذكر اسمه) يجلس مساء كل يوم في بوفية "الإبي" وسط المدينة وهو على حافة المجاعة؛ فمنذ انطلاق عاصفة الحزم واندلاع الحرب في البلاد فقد أحد أولاده وانفصلت زوجته عنه واستقر به الحال نازحًا في غرفة على سطح منزل والده، فيما يذهب راتبه الشهري لأولاده ولم يتبق له سوى 10 آلاف ريال فقط لا تساعده حتى في تغطية تكاليف التنقل اليومي إلى المدرسة.
يعاني أكثر من 40 ألف معلم وتربوي في محافظة تعز أوضاعًا صعبة للغاية، نصفهم بلغ أحد الأجلين وفقًا لتأكيد مصادر تربوية للنداء. جميع المدارس الحكومية يتم تغطية عجز المعلمين فيها بمتطوعين تضطر الإدارات المدرسية للتسول لهم سلال غذائية من المنظمات والجمعيات الخيرية وما يجود به بعض أولياء الأمور.
يحصل المعلمون على رواتب تتراوح بين 35 دولارًا ولا تزيد عن 70 دولارًا شهريًا، لا تفي بأبسط متطلباتهم المعيشية. التربوي عبد الودود الحمادي يدفع راتبه الشهري مقابل إيجار المنزل، فيما راتب زوجته يخصص للحد الأدنى لمتطلبات المعيشة.
يقول الحمادي لـ"النداء": "هناك آلاف المعلمين تشردوا بسبب تدهور صرف العملة، وارتفاع أجور السكن وغلاء المعيشة". يضيف: "يواجه المعلم وضعًا كارثيًا، لقد اضطررت للتنقل إلى ثلاثة مساكن خلال السنوات الأخيرة وراتبي بالكاد يكفي لتغطية إيجار السكن".
حصاد مر
في شهر سبتمبر الماضي، أعلنت وزارة التربية والتعليم نتائج امتحانات الثانوية العامة. بينت النتائج رسوب 55% من طلاب محافظة تعز الذين تقدموا للامتحانات، وتشير مذكرة صادرة عن مكتب التربية والتعليم أن بعض المديريات وصلت فيها نسبة رسوب الطلاب إلى 75%. دفعت نسبة الرسوب الكبيرة مئات الطلبة للاحتجاج أمام مكتب التربية والتعليم.
توقف التوظيف
لم تتمكن راوية شرف، خريجة كلية التربية، من الالتحاق بالوظيفة العامة منذ 10 سنوات بسبب توقف التوظيف. اضطر آلاف الخريجين للعمل كمتطوعين في المدارس الحكومية، وجزء منهم التحقوا بقطاع التعليم الخاص الذي ازدهر مؤخرًا خلال سنوات الحرب. تشير شرف للنداء أنها عملت كمتطوعة لسنوات في إحدى المدارس الحكومية واضطرت للتدريس في مدرسة خاصة لكنها تركتها بسبب تدني الأجور التي لا تزيد فيها عن 35 ألف ريال شهريًا. أدى انعدام التوظيف منذ 13 عامًا إلى عزوف الطلاب عن الالتحاق بكليات التربية، وفي فعالية عامة قبل أشهر أشار محافظ تعز إلى كارثة يواجهها التعليم في محافظته، مشيرًا إلى أن أقسامًا تعليمية باتت مهددة بالإغلاق في جامعة تعز، وأن عدد الملتحقين في أقسام كليات التربية تراجع بصورة كارثية خلال سنوات قليلة من 600 طالب إلى 100 طالب فقط نتيجة انعدام التوظيف.
دافع الجوع
كان التعليم والمناهج التعليمية أحد محاور الصراع في البلاد، لكن الصراع امتد خلال حرب عام 2015 ليستهدف المعلم وقاد عدد كبير من المعلمين للالتحاق بجبهات الحرب والقتال. مصادر تربوية أكدت للنداء انتقال عدد لا بأس به من المعلمين للالتحاق بالسلك العسكري والأمني، وأحد أسباب ذلك هو البحث عن مصادر دخل أخرى بسبب تدهور صرف العملة وارتفاع متطلبات المعيشة.
غياب الحلول
انشغلت سلطات الأمر الواقع في البلاد بالحروب ولم تعطِ أي اهتمام للتعليم والمعلم. ما زالت حكومة الشرعية عاجزة عن توفير الكتاب المدرسي، فيما سلطات تعز لم تعطِ التعليم الحد الأدنى من الاهتمام في اجتماعات المكتب التنفيذي، باستثناء تخصيص اعتمادات كبيرة لإخراج الطلاب من صفوف الدراسة للمشاركة في احتفالاتها بالأعياد الوطنية.
صناديق محلية لدعم التعليم
تؤكد التربوية أمل الصنوي للنداء ضرورة معالجة الوضع المعيشي للمعلمين وتسوية أجورهم واستيعاب المتطوعين في الوظيفة العامة. ترى الصنوي أهمية إيجاد حلول مستدامة للعملية التعليمية بتخصيص موارد كافية، أهمها تخصيص صناديق محلية في كل محافظة لدعم وإسناد العملية التعليمية وتخصيص موارد كافية لها أسوة بصناديق النشء والتنمية الثقافية وغيرها.
الصنوي، مديرة مدرسة، تطالب الحكومة عبر "النداء" باستيعاب المعلمين المتطوعين الذين قالت إنهم يشكلون اليوم أكثر من 50% من القوى الوظيفية في المدارس الحكومية.