يحدث اضطراب الانفصال عن الواقع عندما يشعر المريض دائمًا أو في كثير من الأحيان بأنه يشاهد نفسه من خارج جسمه، أو أن الأشياء من حوله غير حقيقية أو كلا الشعورين. قد يكون الشعور بالانفصال عن الواقع مزعجًا للغاية. وقد يشعر الشخص بأنه يعيش في حلم، وفقا ل مايو كلينك وهي أكبر مجموعة عيادات متكاملة غير ربحية في العالم.
وليس ببعيد عنا تعاني سلطات الأمر الواقع في اليمن من حالة حرجة من اضطراب الاغتراب عن الواقع.. ففي حين يفترس الجهل والجوع والفقر والمرض الملايين من اليمنيين، تبدو الجماعات الممثلة بسلطات الواقع مصممة على مشاريع الانعزال والانغلاق والتجزئة الماضوية! فجماعة تدعي "الولاية" والحكم الإلهي! وثانية تنادي بالعودة إلى عهد "الجنوب العربي"! وثالثة ورابعة كامنة تتحين الفرصة لإقامة "الخلافة" و"الإمارة" و"الحكم بالشريعة"...!
فسلطات الواقع التي تسلطت على رقاب الشعب على حين غفلة بتمويل ودعم من المتنافسين الإقليميين لا تعير اهتماما لشعب أربعة أخماسه فقراء، وربعه يعاني من اضطرابات عقلية ونفسية، و٥ ملايين منه معاقين، 4.5 مليون نازحين، 4.5 مليون طفل خارج المدارس، وفقا لبيانات المنظمات الأممية...
وليس أدل على غربة سلطات الواقع ما اصدره مدير عام الإدارة العامة للجان المجتمعية في عدن علي احمد النمري من توجيهات بمنع التسول في الطرقات والشوارع والمطاعم والمولات في العاصمة عدن، وذلك تنفيذا لتوجيهات وزير الدولة، ومحافظ عدن «أحمد لملس» بأن عليهم إعطاء توجيهاتهم لرؤوساء اللجان المجتمعية بالاحياء السكنية بمنع التسول في الشوارع وقرب المطاعم والجولات وقرب شركات الصرافة والمساجد والمولات والطرقات العامة، وكذلك الاماكن الحكومية..
ولعل وزير الدولة محافظ عدن أحمد لملس حينما أصدر قرارا كهذا لم يستمع لتنبيه رئيس حكومته أحمد عوض بن مبارك وهو يفيد أن نسبة الفقر في أوساط الشعب تجاوزت حاجز الثمانين في المئة.. وأرقام الهيئات الأممية والدولية، ومن بينها منظمة اليونيسيف التي قالت في الشهر الماضي: "إن سوء التغذية الحاد يتزايد بسرعة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية.." واضافت المنظمة بالقول: "ارتفع عدد الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من سوء التغذية الحاد، أو الهزال، بنسبة 34 في المئة مقارنة بالعام السابق في جميع أنحاء المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، مما أثر على أكثر من 600,000 طفل، بما في ذلك 120,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد."
بالمقابل، يتجسد اضطراب الاغتراب عن الواقع لدى جماعة الحوثي التي تنفذ منذ ما يقرب من عام عمليات شبه أسبوعية في البحر الأحمر ضد سفن الشحن بما تقول أنها تأتي انتصارا للفلسطينيين، فيما هي لم تنتصر لليمنيين التي تنتهج ضدهم التجهيل والإفقار والتجويع والعسف والحرب والعنف والكراهية.. حيث تحرم الموظفين من رواتبهم منذ أزيد من سبع سنوات!
كما اعتقلت مؤخرا عشرات المواطنين في مناطق سيطرتها لمجرد الدعوة للاحتفال والاحتفال بعيد ثورة 26 سبتمبر ورفع العلم الوطني وإيقاد الشعلة.. وقد تداول نشطاء في الساعات الأخيرة قائمة بأسماء (180) شخصاً مختطفا جرى جمع اسمائهم حتى تاريخ 3 أكتوبر 2024، بينْهُم أطفال، والذين تم سجنهم بشكل تعسفي في تسع محافظات واقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وتطالب سلطات الحوثيين من بعض المعتقلين، على خلفية الاحتفال بثورة 26 سبتمبر، بالتوقيع على "تعهد بعدم رفع العلم الوطني أو عدم الاحتفال بثورة سبتمبر"، وفقا للنائب عبده بشر، وهو الأمر الذي وصفه ب "غير المنطقي وغير العقلاني"!