إنسان من نتاج مدينة الوهط في لحج.. هو أكبر مغامر عرفته اليمن الديمقراطية.. قد أعياني تذكر اسمه.. وله كذلك لقب نسيته.. الوهط تلك هي مدينة السادة.. والعبقريات.. لها أب روحي هو الأستاذ عمر الجاوي.. وله مساعدون كثر قد أكون أحدهم.. لكن الوهط تنقصني، ولا أكملها.. قال لي الجاوي إن اسمه قضيل، بالقاف.. لكن الناس اعتادوا على الفاء في الاسم.. وكان لهم ما أرادوا.. ذكرني بالاسم الصديق فاروق العزيبي، الذي يعرف الرجل، وكتب لي أنهم احتاجوا مرة إلى وجبة عشاء، ولم يكن معهم نقود.. فأخرج لهم فضيل طربال سيارة كان قد سرقها، وقال لهم: خذوا هذه.. بيعوها وجيبوا عشاء!
فضيل هذا رجل مغامر ولا تعييه الحيل، وهو سواق ماهر.. ماهر جدًا.. لكنه تخصص في سرقة السيارات، أبرع لصوص سيارات عرفته البلاد.. يسرقها من الجنوب.. ويسافر بها إلى الشمال، ليبيعها هناك.. وكانت أرباحه مجزية.. جدًا مجزية.. منذ زمن مستعمرة عدن وإلى أيام الرئيس سالمين حين بلغ ذروة شهرته أيامها.
ذات مرة كانت سيارة من سيارات المندوب السامي البريطاني تعبئ وقودًا من محطة بترول قريبة من الشوبنج إيريا (الشابات) في خور مكسر.. يسوقها فضيل، رجل نحيف مفروق الشعر.. ولا يلبس بدلة رسمية.. كان مستعجلًا.. ولابس فوطة مما يرتديها العوام.. امتلأ خزان سيارة اللاندروفر المقفصة، وكانت تلك دفعة جديدة فاخرة ومرغوبة من إنتاج اللاندروفر.. ركب فضيل، وأغلق باب السيارة.. ولم يدفع للعامل قيمة البترول، بل انطلق بأقصى سرعة.. وكانت تلك آخر مرة يشاهد فيها هو والسيارة المسروقة.
هذا النوع من السيارات مرغوب جدًا في الشمال.. وقبض ثمنًا كبيرًا ببيعها هناك.. بل إن هناك من احتفى به كواحد من أبطال النضال ضد الاحتلال البريطاني لعدن!
طارت شهرة فضيل، وطبقت الآفاق، ووصلت كل مكان، وصار حديث الناس في مبارز القات وغيرها.. في كل مكان لمعت شهرته.. لكنه كان متلافًا.. بقدر ما يكسب من سرقاته بقدر ما كانت سرعة إنفاقه للمال الذي ذاقت من خيراته كثير من بيوت الوهط.
وجاء الاستقلال الذي لم يشكل فرقًا عند فضيل.. واصل سرقة السيارات من الجنوب.. وإلى الشمال حيث يبيعها هناك كعادته.. قال له بعض أصحابه: خلاص.. كفاية يا فضيل.. لازم تتوب.. النصارى اللي كنت تتباهى بسرقتهم رحلوا.. واللي استلموا بعدهم ما با يرحموكش.. خلاص.. بطل.. لكن الرجل قد استملح دوره الوطني البطولي، وقال: يا إخوتي أنا مش بقدر بطل.. المسألة حليت عندي.. ومش بقدر بطلها.. هو دي يتمولع بالقات يبطله؟ وإلا السجارة يبطلها؟ أنا هكه مش بقدر بطل.. خلوا لي حالي..
ومرة من ذات المرات، رجع بسيارة مسروقة من الشمال ليبيعها في الجنوب، لكن ظنه خاب.. قال: ذالا هنا معقدين.. يبو مني ورق.. ونمبر.. وملكية.. وقانون.. مش حسينين كما أصحاب الشمال.. ذيلاك حبوبين ولا يسألوك على شيء.. عندهم بس سلم واستلم.
وبلغ فضيل ذروة مجده عندما سرق سيارة جديدة مقفصة تابعة لرئاسة الجمهورية.. وسالمين مافيش عنده صفاط.. وما عندوش يا أمه ارحميني.. قبض على فضيل، وكرسوه في حبس المنصورة.. وقيل إنه سيواجه حكم الإعدام لأن التهمة من وجهة نظر المنظرين حقنا، هي: تخريب الاقتصاد الوطني! لكن الأستاذ عمر الجاوي، الأب الروحي للوهط، لحق المسألة.. وذهب لمقابلة سالمين.. وفي الدستور حقنا، وحق كل الدول.. يحق لرئيس الجمهورية فقط منح العفو وإسقاط حتى حكم الإعدام على من يريد دون إبداء الأسباب.. ونجح الأستاذ الجاوي في تخفيف الحكم على فضيل إلى بضع سنين! أمضاها فضيل في ضيافة سجن المنصورة الرحب.
بعد سنين وسنين.. كنا الشلة وأنا نتسامر قدام مقر حزب الجاوي التجمع الوحدوي اليمني، قدام فندق ومطعم البحر الأحمر.. خرج علينا فضيل الذي لم يكن له مقر يؤويه.. وبيده قارورة ماء مثلجة.. وهو مخزن.. في طريقه إلينا صدمه ابن الربيدي الصبي بدراجته الهوائية.. فسقط فضيل وتطعفر ماء قارورته البارد.. هرب الصبي.. وقام فضيل.. ورفع الدراجة بيده وقال: تقولوا يا عويله بكم باتجي قيمة هذا الباسكيل؟ وسأل: متى بايجي عمي عمر الجاوي؟
قام حامد جامع، وأخذ بيده وهو يقول له: ما عليك من الجاوي ذلحين.. تعال معي عند منصور با أعشيك كبدة.. وأخذه إلى مطعم منصور الذي نأكل عنده بالآجل، قدام مطعم ريم السياحي.. يذكرني فضيل بعض الشيء بروبن هود.. وأيضًا أرسين لوبين.