صَوتُ أيُّوبَ زادُ حُبٍّ، وَمَاءُ وَظِلالٌ نَشوَى الْهَوَى وَارتِوَاءُ
مِن ينابيعَ عَذبةٍ وعُيُونٍ في ديارٍ شَرابُهُنَّ الصَّفاءُ
وانسِكاباتُ كُلِّ شلالِ وَحيٍ تستقي من أنغامِهِ الأضواءُ
ونشيدٌ صاغَتْهُ رائِحةُ الأرضِ؛ ومَا لحَّنَتْهُ.. إلَّا السَّماءُ
حالةٌ مِن ثَرَىْ وَرُوحِ بِلادٍ صُوِّرَتْ أُمَّةٌ، بِها، ولِواءُ
وَهْوَ أيلولُهَا تَجَرَّدَ صَوتاً قَطَّرَتْهُ عُصورُها والغِناءُ
فاضَ حتى جَرَىْ بهِ الصَّخرُ والنَّبتُ، ومُسَّتْ بسرِّهِ الأحناءُ
جَمَعَ الهائمينَ من كُلِّ وَجهٍ يمنِيٍّ وَلاؤهُ والبَراءُ
وَحَوَى الْمَوطِنَ الرَّحيبَ هَوَىً، فاجتمَعَتْ فيهِ كُلُّها الأشلاءُ.
بُعِثَتْ في لُحُونِهِ "بِنتُ كَربٍ" فَهْيَ تِلكَ الوَضَّاءةُ الحسناءُ
وَهْيَ ذاتُ العديدةِ اللونِ في ما وحَّدَ الماءُ كُنهَهُ والقضاءُ
وَهْيَ مكنُونُ كُلِّ لَحنٍ تجلَّتْ رُوحُهُ فيهِ؛ فَهْيَ مِنْهُ الهَوَاءُ
وَهِيَ الْمُبتَدَى، وفي المُنتَهَى الكُلُّ؛ وإنْ تاهَ جُلُّهُ أو أساءوا
وَهْيَ مهما هَوَى بها الدَّهرُ، تَعلو؛ ثُمَّ تُنبِيهِ أنها العنقاءُ
قدرٌ كانَ منذُ كافٍ ونونٍ في مداها، ألَّا يقيمَ الخُواءُ
إنْ يَطُلْ، يُحدِثِ الرَّحيمُ.. فتَبْرا مُقَلٌ فِي امْتِدادِها عمياءُ
وَتَرَىْ مَا طَواهُ بالأمسِ عنها ساتِراها: الأطماعُ والسُّفَهاءُ
وَيَرَى الْخاسِرونَ فيها جميعاً زَبداً ذاهباً بِهِم، يا جُفاءُ
فتقَرُّ القلوبُ بَعدَ جُمُوحٍ حين تَدري بما رماها البلاءُ
ثُمَّ تمضي إلى التَّعافي رُوَيدَاً.. مَن يَّرَ الدَّاءَ يَدنُ مِنهُ الدَّواءُ
ذلكَ الصَّوتُ وَهْوَ يشدو على الحالَينِ فيها، فتُورقُ الأصداءُ
وعلى رَجعِهِ تَطِيبُ، فتدنو لملاقاةِ بعضِها، الأنحاءُ
عَدَنٌ تستقي تَعِزَّ؛ وتدعو حَضرموتُ الشُّجونِ يا صنعاءُ
احسِنِي عِصمَةَ الدِّيارِ، وإلَّا أسرفَتْ فِي انفِلاتِها الأهواءُ
وتناءتْ بأهلِها فوقَ ما قد.. واستبدَّ السُّدَى بها، والجَفاءُ..
لا يُطيقُ النُّهوضَ عُقبَ التَّرَدِّي غيرُ مَن صَحَّ عزمُهُ والعَناءُ
واليمانونَ لا يصِحُّونَ إلا بِيَدَي وَحدِهِم، فيسري الشِّفاءُ.
صَوتُ أَيُّوبَ لم يكن غيرَ شعبٍ أبدَعتْهُ اللحونُ، والانتماءُ
وَشَّحَ الدَّهرَ بالحُمَينِيِّ صَرحَاً مَرَّدَتْهُ الفَرائدُ العَصماءُ
فاصدحي بالغناءِ يا أرضَ مَن لَّم يَحظَ فيها بِالبَعضِ مما يشاءُ
واستردِّي السَّمَاعَ من كُلِّ صَمتٍ تَرَّهَتْهُ العقائدُ العجفاءُ
دَندنَ العُمرُ مُتْهِمَاً، ثُمَّ غَنَّى مُنجِداً تستحِثُّهُ العلياءُ:
(انثري الشُّهبَ حولَنا يا سماءُ واسكبي الضَّوءَ والنَّدى يا ذُكاءُ
للبلادِ البقا.. وللثَّورةِ المجدُ.. وللشعبِ واللِواءِ الولاءُ).
صنعاء؛ أيلول/ سبتمبر، 2024.