نقول مرحبًا بهذا اللقاء، وإن لم نرحب، فما عسانا نقول، وكيف لنا أن نتناول حدثًا كهذا دون أن نبحر في أعماق أعماق هذا اللقاء وصولًا لأبعاده وعناصر الشد والجذب فيه، وتلك التي استدعت انعقاده، وتلك لعمرى أسئلة ستظل قاصرة إن لم تتم الإجابة على سؤال أعمق: هل هناك خلف الأكمة ما وراءها؟
وهل كانت دواعي اللقاء مجرد فسحة سياسية بين فصلين شريكين في قمة السلطة، وكلاهما له على الأرض قوى تم ويتم دعمها على الأرض من شريك يعتبر حليفًا للشرعية كلها؟ وهنا نسأل: هل كان اللقاء بعيدًا عن أذرعه وقراءاته وإعادة ترتيب أمور يرى إلا تجري خارج سياق فقهه الذي عبره يتحرك مع كل عناصر أزمة بلادنا وحربها التي كان ومازال شريكًا فيها وعبر ما جناه ورتبه من أمور ومصالح ذات أبعاد جيوسياسية، كلها أمور أعتقد جازمًا بأنها لم تكن غائبة عن متطلبات عقد لقاء كهذا! إذن، هل هو لقاء السحاب ستمطر بعدها السماء مطرًا وماءً، أم خلاف ذلك؟
وكما يقال بأن الشيطان يكمن في التفاصيل التي سنحاول البحث عنها، وهنا نقول أولًا بأن كلًا من طرفي اللقاء كما قلنا هما أولًا حلفاء للإمارات، وثانيًا هما عضوان بارزان بمجلس الرئاسة القيادي، وثالثًا كلاهما لديه مشروع جوهره يتناقض أولًا مع كيان وجوهر وجود المجلس الرئاسي، تمامًا كما يتناقض مع الدور الأساس للدولة الداعمة لهما، إذ إن وجودها -أي دولة الإمارات- كان أساسًا في بلادنا، وينبغي أن يظل مرتبطًا بإنهاء الانقلاب ضد الجمهورية اليمنية ودعم الشرعية التي باتت وماتزال تمثلها، والخطر الكامن كما نرى ونؤكد كان ومايزال يكمن في التفاصيل التي سيجتهد هذا اللقاء في تقديم إجابات لها، المهم أن يقدم لها إجابات تتفق والأهداف الكبرى التي ترتبط باستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب، وذلك أمر يشير إلى ذكر أن كلا الطرفين لديه مشروع ومسعى يتناقض مع مشروع الطرف الآخر، وهو ما يتطلب بالضرورة أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، لأن جهدًا وطنيًا متحدًا سيظل مطلوبًا لمعالجة كافة القضايا الملفات العالقة لم تمس، بل زادت تعقيدًا، وفي المقدمة منها القضية الجنوبية، وهنا مربط الفرس، وهنا أيضًا تثور الأسئلة الأعمق:
أولًا، ما الذي دعا الطرفين لعقد هذا اللقاء؟ وهو لقاء مرحب به على أن تصب مخرجاته في خدمة مستقبل الدولة الوطنية واستعادتها تحقيقًا لمصالح الشعب اليمني.
ثانيًا، هل ثمة تنسيق مع هيكلية المجلس الرئاسي كله كي تتوافق الرؤى التي ينبغي أن تأتي مخرجات اللقاء، مدعمة لوحدة قراءة وتوجه المجلس كوحدة متوافقة؟
ثالثًا، هل يعني انعقاد اللقاء بدولة الإمارات أن تأثيرها سيقود لمخرجات تلبى ما لديها من رؤى وترتيبات وقوى ذات صلة قوية بها قد نقول إنها قد لا تتوافق مع المصلحة العليا لاستعادة قوام الدولة وإنهاء الانقلاب بصنعاء؟
رابعًا، هل لهذا اللقاء، ومن قبل طرفين لهما باع طويل أو هكذا نرجوه، صلة ذات آفاق مع ما يجري من تطورات جيوسياسية بمنطقة البحر الاحمر والقرن الإفريقي، ومآلات حرب غزة التي باتت عنوانًا لصراع وجودي، تمامًا كما تتضارب المصالح الدولية وإعادة هيكلتها بأبعادها السياسية والاقتصادية، والتي يمثل فيها باب المندب وتأثيرات البؤرة التي تذكي حدة الحرب الدائرة بتعبيرات شتى على مصالح دولية متباينة سياسيًا واقتصاديًا ولوجستيًا؟
لا أظن أن اللقاء سيكون بعيدًا عن ملامسة هذه الأمور، وذلك سيطلب منهما، بخاصة مع ما يدور من تبادل معلومات توحي أو تشير إلى ترتيبات للقاء يتم مع القاهرة، تشارك فيه حركة أنصار الله الحوثية إن صح الأمر، وهو أمر ليس هينًا، ولا ينبغي أن يمر مرور الكرام، فإيران تعبث ولا تلعب ببراءة أطفال.
هذه أمور تدور في الذهن، والمرء يسأل نفسه: ما الأهداف المتوخاة من لقاء كهذا؟ إذ هو أولًا لقاء يحمل دلالات، ويحمل أهمية إن كان تم انعقاده بناء على قناعات وطنية تبحث عن توافقات تصب في تعزيز ما يلي:
أولًا تعزيز وحدة الصف للمجلس الرئاسي.
ثانيًا ألا يكون بانعقاده ومخرجاته متعارضًا مع جملة القراءات الوطنية التي تدعو لوحدة الصف الوطني.
ثالثًا ألا يكون هذا اللقاء وهذا الاجتماع الذي نعول عليه بعيدًا عن استقلالية القرار الوطني الذي بدونه نصبح كمن يعوم في رمال متحركة لا تترك أثرًا جيدًا على الأرض.
رابعًا نتساءل: لم لا يشكل هذا اللقاء مدخلًا لإعادة تعزيز قوة ومكانة المجلس الرئاسي تمكينًا له لاستكمال مهماته الاستراتيجية كما وردت في صلب بيان تأسيسه وقيامه؟
هنا لنا وقفة نشير من خلالها إلى أن أية إشارات تتناول مثل هذا اللقاء تحت تعبيرات شمالية جنوبية تخدم مشروع الانقلاب، والبديل لخدمة قضايا إعادة ترتيب مصلحة اليمن شعبًا وأرضًا، إنما تقوم وتستند على مقاربات تقول بأن أخطاء وإخفاقات أكثر من عشر سنوات باتت تتطلب نهجًا وطنيًا يقوم على قاعدة وطنية تجمع كل القوى الوطنية وفق وثائق ووفق حقائق على الأرض للأسف جرى ويجري حرفها، لكن يظل مشروع العودة إليها وفق رؤى توافقية وطنية هي السبيل وهي البديل، ودول الإقليم ضمن مشروع التحالف العربي من حين انبثاقه باعتباره داعمًا، أقول داعمًا لأن مصالحه العليا إنما ترتبط جوهريًا بقيام دولة يمنية قوية، وذلك هدف لن يتحقق بسهولة، ما يبني على معالجات جذرية تقبل ولا تفرض بالقوة تحت أي اعتبار أو مبررات، وسنرى إلى أين ستقود الرياح سفينة هذا اللقاء الذي تم في ظروف معقدة وبحار وأمواج متلاطمة ومصالح ومحلية دولية وإقليمية ودول جوار في أسوأ حالات التعقيد من كافة الجوانب السياسة والاقتصادية والأمنية، بل والاستراتيجية، نحن للأسف ضمن إقليم ملتهب وبحار تزداد لهيبًا.