صنعاء 19C امطار خفيفة

"دردشة" عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. والفائز حتماً (1)

"دردشة" عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. والفائز حتماً (1)
الانتخابات الأمريكية بين دونالد ترامب وكامالا هاريس (صورة من إنتاج الذكاء الاصطناعي)

كما هو معروف لدى مختلف دول وشعوب العالم عن مدى اهتمامها بالانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، بحكم قوة ونفوذ وتأثير الولايات المتحدة الأمريكية، بخاصة من بعد انتهاء الحرب الباردة، وما حدث من تطورات وأحداث بعدها وحتى اليوم، كالصراع الأمريكي -الصيني في الجانب الاقتصادي والتقني، والحرب في "أوكرانيا"، وحدوث تصدُّع بمجموعة دول "الناتو"، وظهور تكتلات إقليمية ودولية، إضافة إلى استمرار الصراع في المنطقة المُلتَهبة دومًا، أعني "الشرق الأوسط"، وحرب "غزة"، وما تُمثل من تداعيات مُستقبلًا، بسبب استمرار عدم حل القضية الفلسطينية، وتجاوزات "إيران"، وغير ذلك من أوضاع باتت تحدث اليوم، والتي بسببها بالدرجة الأُولى، أصبح العالم يتابع باهتمام انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، بخاصة "الشرق الأوسط"، كون الولايات المتحدة رغم ظهور بعض تكتلات اقتصادية وغيرها، لاتزال القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية الأُولى! ولايزال نفوذها تبعًا لذلك قويًا ومؤثرًا، حتى ولو لم يَعُد كما كان في الماضي القريب!

لذلك، رأيتُ بهذه الأسطر الموجزة، تقديم بعض المعلومات عن طريقة اختيار الرئيس وعن أهم الجماعات والجهات المؤثرة بذلك.. وبحسب خلفيتي الثقافية، وفهمي الخاص.. وهي بالطبع معلومات قد تكون معروفة للبعض، لكنها قد لا تكون كذلك للبعض الآخر! وفي كل الأحوال أكتبها هنا لمن يرغب بضياع فائض وقته بقراءتها! ثم، ثم، دافعي لكتابة هذه المعلومات الموجزة من باب "العلم بالشيء"، ولا أقول من باب "اعرف عدوك"!

فكما هو معروف أن المجتمع الأمريكي يتكون من أصول عِرقية مختلفة، ومعظمها إن لم يكن كلها تقريبًا ممن جاؤوا إلى أمريكا أو إلى "العالم الجديد" من شتى بقاع العالم.. وكان أول المهاجرين إليها من "أوروبا".. ولذا نجد في إطار المجتمع الأمريكي ألوان الجنس، الأبيض والأسمر والأسود و... و.. الخ، وحيث الدين المسيحي بمختلف طوائفه، بجانب وجود مسلمين ومن ديانات أُخرى مختلفة.. ورغم أن اللغة الإنكليزية بحكم الاستعمار البريطاني لبعض أمريكا، هي اللغة الرسمية والأكثر تداولًا وانتشارًا، إلا أنه توجد أيضًا لُغات ولهجات أُخرى، وإن كانت محدودة.

هذا المجتمع المُتنوع يجمعه كله الانتماء والولاء لأمريكا قلْبًا وقالَبًا، كما أن استيطانهم جميعًا بهذا العالم الجديد، المُسمَّى "الولايات المتحدة الأمريكية"، جعلهم أمام الدستور مُتسَاوين في كل شيء تقريبًا، في الحقوق والواجبات، بخاصة الجوانب الاجتماعية، إذ لا وجود لما يُسمى "الأُسر الأُرستقراطية" أو "طبقات النبلاء" أو غيرهما، كما هو الحال في بريطانيا مثلًا! وإن وُجدت عوائل مشهورة بحكم الثراء أو الجوانب السياسية أو غيرهما، فهي قليلة جدًا وغير مُؤثرة البتة!

هذه الحياة الجديدة والمُساواة الفريدة الجَامِعَة بين المستوطنين أو المهاجرين الجُدد في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت من أهم أسباب قيام حكم ديمقراطي بكل يُسر، ودون أية مَشقة، ومنذ البداية، بفضل وجود مؤسسين وطنيين وبعيدي النظر! وأوجدوا دستورًا تم إقراره عام 1788م، ليصبح أول دستور مكتوب!

وإن حدثت بعض تعديلات لبعض مواده فهي ضئيلة! ولايزال منذ إقراره هو الذي يُنظم المهام والممارسات السياسية والحزبية وَغيرهما. وحينما أقول هنا إن ديمقراطية أمريكا جاءت بكل يُسر ومن البداية، فإن ما أقصده، أنها جاءت عكس ديمقراطية الدول الأوروبية التي تتمتع بنظام ديمقراطي عريق، لكنها جاءت بعد حروب وصراعات عديدة ومتنوعة، بما فيها أُم الديمقراطية "بريطانيا" مع الفارق.

ومع وجود دوافع الخوف من كثرة الأحزاب والتوجهات السياسية، لدى بعض كبار المؤسسين لأمريكا ولدى النُّخبة، وبوقت مبكر، قاموا بدمج بعض الآراء والأفكار بين معظم الأحزاب الناشئة مع بعضها البعض، ليظهر تبعًا لذلك حزبان اثنان، أحدهما يدعو إلى الحد من قوة الشعب وتطبيق مبادئه على الدستور الاتحادي نفسه، فسمي هذا الحزب "الفيدرالي"، ومع مرور الوقت أصبح اسمه "الديمقراطي"، واتخذ "الفيل" شعارًا له، وظل ولايزال يُمثل السود والعُمال والأقليات الأُخرى.

والحزب الآخر، ظل ولايزال يدعو إلى قوة الشعب، أي عكس الأول، مُدَّعيًا أنه هو الأجدر دون غيره في التمسك بقضية الحرية! وسُمي الحزب "الجمهوري"، واتخذ "الحمار" شعارًا له، وظل ولايزال يُمثل رجال المال والأعمال وكبار المُلاك والمصانع والمزارع وأقدمية المهاجرين.

(بما يخص الشعارين: الفيل والحِمار، جاءت تفسيرات عديدة لأسباب ذلك، قد تحتاج لسردٍ خاص بهما!).. هذان الحزبان هما اللذان يخوضان انتخابات نوفمبر كل أربع سنوات.

ثم، وبسبب ما وصل إليه الحزبان الجمهوري والديمقراطي من شيخوخة وتمييع وترهل واحتكار وخروج عن بعض قيم وتوجهات المجتمع الأمريكي في العصر الراهن، بات المجتمع الأمريكي اليوم يتطلع إلى حزب جديد يراعي معظم فئات الشعب الأمريكي وقيمه وثوابته.. وأحسب أن ذلك قد يكون قريبًا، مع أن انتخابات نوفمبر لا تنحصر بانتخابات الرئيس فقط، وإنما تتعداها إلى انتخابات حاكم الولاية وقاضي الولاية أو المقاطعة ورئيس البلدية وأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، إلا أن انتخاب الرئيس ظل ولايزال هو الأهم لتأثير ذلك أمريكيًا ودوليًا.

بالنسبة لطريقة انتخاب الرئيس، وبسبب التباعُد بين الولايات المتحدة الأمريكية قبل ظهور مواصلات وغيرها، وُجدت هيئة انتخابية أو مجمع انتخابي، ولايزال هذا النظام هو المعمول به.. والهيئة أو المجمع الانتخابي مكون من 538 مندوبًا تتساوى مع عدد الشيوخ والنواب الذين يمثلون في "الكونغرس"، يمثلون كل الولايات المتحدة الخمسين، إضافة إلى العاصمة واشنطن، إذ إن لكل ولاية عددًا من المندوبين في هذا المجمع، وبحسب عدد سكانها، وممن يحوزون على رضا وموافقة المواطنين أنفسهم، فالتصويت لانتخاب الرئيس يأتي من خلال هذه الهيئة أو المجمع الانتخابي، والذي يفوز بغالبية الأصوات في أية ولاية، فإن بقية الأصوات تُضاف إليه تلقائيًا! وإذا حدثت بعض التجاوزات أو الشكوك كما حدث أثناء انتخابات عام 2004م، فإنه يتم فرز كل الأصوات!

بالنسبة للجماعات والعوامل المؤثرة في اختيار الرئيس من عدمه، وكيفية بداية الحملات الانتخابية... الخ، فقد كانت في الماضي، تأتي الحملات الانتخابية من خلال بعض القاعات المخصصة للمحاضرات ولغيرها والميادين ومقرات الأحزاب، والتي ظلت تمثل همزة وصل بين المرشحين والمواطنين، ثم جاءت الصحافة التي ظلت تقوم بالمهمة، حتى ظهر التليفزيون الذي ظل ولايزال هو المُهيمن والمُسيطر على توجهات الرأي العام وَبَلْوَرته، من خلال إيصال آراء وأفكار وتوجهات المُرشَّح للرئاسة أو لغيرها إلى الناخبين، ليكون التليفزيون من أهم العوامل المؤثرة في اختيار الرئيس من عدمه.

فرغم عالم "الإنترنت" ومختلف مواقع التواصل الاجتماعي التي بات العَالَم يتعايش معها اليوم، وتأثيرها على "الناخِب"، إلا أن التليفزيون لاتزال له أهمية، ذلك أن إلقاء الخطابات واللقاءات مع المواطنين عبر الكلمة والصوت والصورة، ودون أي حواجز أو محاذير قد تعطي المشاهد (الناخب) معرفة شبه كاملة على "المُرشَّح"، إذ مُشَاهدة حركاته وسكناته ومظهره الخارجي وأناقته، ومهاراته الشخصية عند الحديث، ومدى تجاوبه وثقته بنفسه عند طرح الأسئلة عليه، وسرعة الرد عليها، إضافة إلى حُسن الإصغاء للناخبين وعند المناظرات بين "المُرشَّحَيْن" للرئاسة... وغيرها، لها دور كبير ومؤثر لدى "الناخب"، فتعطيه انطباعًا عن "المرشَّح" سلبًا أو إيجابًا.

فالإعلام بوسائله المختلفة خصوصًا التليفزيون، إضافة إلى مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من تقنية وتكنولوجيا اليوم، لها دور كبير ومؤثر في اختيار الرئيس أو العكس.

وهناك جماعات وجهات أخرى مؤثرة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كرجال الأعمال الكبار والشركات الكبرى وبعض الهيئات والمنظمات، وفي مقدمتها جماعات الضغط اليهودية ممثلة بـ: "لجنة الشؤون العامة الأمريكية -الإسرائيلية"، المعروفة أو المختصرة بـ"أيباك"، والتي لها دور مؤثر في اختيار الرئيس، بل في اختيار بعض أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، حيث التواجد اليهودي بمختلف الدوائر والجهات الرسمية الأمريكية، والتي تستخدم المال لشراء "الذمم" والإعلام وغيره.

فمن كان يتصور داخل أمريكا نفسها قيام "الكونغرس" بتوجيه دعوة للإرهابي "نتنياهو" للحديث أمامه، رغم استمراره بذبح النساء والأطفال في غزة، ورغم قرارات المحكمة الجنائية الدولية ضده، ليظل يتحدث هذا المجرم بمجموعة من الأكاذيب، ويُقَابَل بتصفيق غير مسبوق من قِبل بعض وربما معظم أعضاء "الكونغرس" الذين هدفوا إلى إعطائه فرصة لتجميل جرائمه، وإلى درجة حدوث ردود أفعال غاضبة ضده من بعض أعضاء "الكونغرس" نفسه! ومنهم النائبة كوري بوش، والنائب جمال بومان اللذَان خَسِرا عضويتهما في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في "الكونغرس"، بعد أن أنفقت "أيباك" مبالغ كبيرة لهزيمتهما، مما أعطى انطباعات مضاعَفَة بخاصة خارج الولايات المتحدة الأمريكية، فضلًا عن داخلها، عن مدى التأثير اليهودي الصهيوني في السلطة التشريعية الأمريكية وفي الانتخابات الرئاسية أيضًا!

وإن كان هذا التأثير اليهودي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بالذات قد بدأ يتضاءل عما كان عليه داخل الولايات المتحدة، بالذات لدى فئات "الشباب" ممن ظلوا يُشاهدون الجرائم الإسرائيلية ضد الأبرياء في "غزة"، وعلى الهواء مباشرة، وإلى درجة قيام مظاهرات واعتصامات في بعض أهم الجامعات الأمريكية وغيرها ضد إسرائيل وضد سياسة بلادهم أيضًا بسبب استمرار تقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي لها، وتعرية السياسة الخارجية الأمريكية في بعض الدول والشعوب الغربية والعربية والإسلامية والإفريقية، إضافة إلى تعريتها بمجلس الأمن ومعظم الهيئات والمنظمات الغربية وغيرها، بسبب وقوفها اللامحدود مع الحكومة الإسرائيلية المتطرفة رغم معرفتها ومتابعاتها لمدى جرائمها ضد الأبرياء في "غزة" (هذا موضوع قد يحتاج لسرد خاص به).

ولأن توجهات السياسة الأمريكية الخارجية، والتي تقوم على الغطرسة وعلى استفزاز معظم دول وشعوب العَالَم بما فيها بعض الدول الحليفة لها، وظهورها بمعايير مزدوجة في إصدار قرارات الشرعية الدولية خاصة ضد روسيا وضد "حماس" ومع "أوكرانيا"... الخ. قد ترجع بعض أسباب ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية وقد شعرت بوصولها إلى "القمة"، وتحديدًا في الجوانب الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، ليوقعها ذلك الشعور بنفس الشعور الذي وقعت فيه الإمبراطوريات السابقة، والتي منها وصولها إلى مرحلة الكمال! وأن التاريخ الإنساني انتهى على أبواب "واشنطن" و"نيويورك"، رغم التباين الكبير بين إمبراطوريات الأمس واليوم! وكما كان الشعور بالعظمة أو الوصول إلى القمة هو بداية انحدار القوى الكبرى في التاريخ كما هو معروف، فإن التاريخ يعيد نفسه بما يخص بداية النهاية لقوة وعظمة الولايات المتحدة الأمريكية اليوم! وذلك من خلال قيام بعض الدول بإنشاء تكتلات وتجمعات سياسية وتكنولوجية، ثم -وهو الأهم- اقتصادية، والتوجه نحو اعتماد عملة دولية جديدة بدلًا من الدولار... الخ.

ألتمس العذر إن خرجتُ عن موضوع هذه "الدردشة"، وإنما أردتُ ذكر منظمة "أيباك" الصهيونية وتأثيرها في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كما قد أشرتُ لذلك آنفًا!

بالنسبة لإقبال الأمريكيين على الإدلاء بأصواتهم عند الانتخابات الرئاسية، فإن ذلك ليس كثيرًا، وما ذلك إلا لاهتمام غالبية الأمريكيين بالقضايا المحلية، والتي يتولاها ممثلوهم بمجلس النواب، بينما يأتي اهتمامهم في الانتخابات الرئاسية بالدرجة الثانية، ومن خلال متابعاتهم لبرامج المُرشَّحين للرئاسة، ومدى ذكر تخفيض الضرائب والتأمينات الاجتماعية والصحية والازدهار الاقتصادي وغيرها من الجوانب المماثلة، والتي يتبارى المرشَّحون بذكرها في برامجهم مِرَارًا، وتلك هي في مقدمة اهتمام الناخب الأمريكي وتفضيله لمرشح دون آخر عبرها ومدى مصداقية تنفيذها.

والسؤال هنا: من يا ترى سيفوز في انتخابات الخامس من نوفمبر القادم؟! ذلكم هو موضوع الحلقة الثانية والأخيرة من هذه "الدردشة".

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً