صنعاء 19C امطار خفيفة

لوحة صنعاء العملاقة

2024-09-02

للمرة الأولى أغامر برسم مدينة كاملة بمقاس عملاق لم أتجرأ على رسمه من قبل! لكن إغراء المدينة القديمة وتفاصيل الأزقة والبيوت الطينية التي يوشك معظمها على الاندثار، حرّكت في قلبي الكثير من المشاعر الجارفة والشجون..

لوحة صنعاء العملاقة بريشة عدنان جمن

رحت أتأمل مطولًا في الصورة الفوتوغرافية المبهرة للفنان الشاب المبدع علي السنيدار، ابن المدينة القديمة التي خلّد فيها اللحظة بعدسة واسعة (Wide Angle)، بمزيد من الدهشة والحب لكل تلك التفاصيل الآسرة للروح المترامية في أرجاء اللوحة، سرعان ما تتنبه أنها ليست مجرد مدينة غارقة في القدم والجمال فحسب، ليست مجرد أبنية فقط.. بل بشر يسكنونها ويمارسون معها طقوس العشق والانتماء والبقاء!

وأنت ترسم.. ترى آثار الساكنين وسيرتهم مرسومة على سطوحها، بقايا ذكريات وبقايا أشياء من أثر السنين، تستريح بدِعة وسكينة على السطوح، حتى تلك الألواح الشمسية الحديثة وصحون التقاط المحطات التلفزيونية المتناثرة، وخزانات المياه الحديدية الصدئة جنبًا إلى جنب مع الخزانات البلاستيكية ناصعة البياض الحديثة والبطانيات المنشورة على حواف تلك السطوح تناغمت بشكل غامض ومهيب مع المشهد لتدل على حياة ساكني البيوت، بعض تلك المتعلقات أكلها الصدأ كما أكل الزمن جسد بيوت الطين الواهنة والموغلة في التاريخ!

بيد أن الوقت داهمني بشكل غير متوقع وأنا أرسم كل بيت على حدة باعتباره لوحة مستقلة، مع القليل من التدخلات الطفيفة والمهمة التي وجدتها ضرورية لاعتبارات عديدة؛ فنية وآثارية!

ثلاثة أشهر من عمري الستيني وأنا أعيش حالةً غير مسبوقة من التصوف لم أعهدها، عشتها مع روح كل بيت في أدق تفاصيله، وكان جلّ خوفي وقلقي أن يسقط بيت آخر من هذه البيوت الحبيبة التي رسمتها في هذه اللوحة، بعد أن تُركت دون ترميم وعناية تذكران، لا سيما أن الأمطار الأخيرة أدت إلى انهيار بعضها!

كان التحدي الأهم بالنسبة لي هو الملاحقة الصعبة لآلية انتشار ضوء الشمس الذهبي الساطع الذي صبغ تلك البيوت الطينية، فزادها جمالًا فوق جمالها، أينما لاحقت ضوء الشمس والظلال تجد لوحةً جميلة لكل بيت، تكاد تقسم إنه يطالبك كفنان أن تقف متريثًا صبورًا كي تعطيه حقه من الحب والاهتمام اللائقين مع الكثير من السخاء من لون اشعة الشمس الذهبية قبل أن تنتقل إلى البيت الذي يليه أو يلاصقه لتقرأ "باليتة" الألوان الخاصة به، لا عجلة واستعجال ولا ضجر، حتى لو تطلب رسم أحد تلك البيوت عدة أيام متواصلة!

... وماذا عن تلك السماء التي لا تقل ألوانها إبهارًا وجمالًا في الصورة الأصلية عن تلك البيوت الخالدة والتي تحتل ثلث اللوحة، واهبةً المدينة جلّ لونها الذهبي الساحر لتكتمل سيمفونية الأرض والسماء؟!

اللوحة رسمتها على قماش أصلي سميك قمت بمعالجته وتأسيسه بنفسي، كما استخدمت أفضل أنواع الألوان الزيتية لرسمها على مقاس ضخم (مترين في متر ونصف)، مقاس متحفي عابق بالتفاصيل وحكايا الزمان والمكان!

 

  • تنشر النداء بالاتفاق مع الكاتب

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً