الحرب في صعدة وازدواجية المعايير - أبو خالد المنصوري
في مقالته التي تحمل العنوان: "حرب صعدة".. "الفتنة غير النائمة"، أجاد الأستاذ عبد الباري طاهر إلى حد كبير في تشخيص الحالة العامة في اليمن، وبالتحديد في محافظة صعدة. إلا أن المقال –مع ذلك- احتوى على بعض النقاط التي تحتاج للتوضيح والرد.
أولا: إن الحرب التي تدور رحاها حاليا في جبال وشعاب صعدة بين الجيش اليمني وجماعة الحوثي والمستمرة بشكل متقطع منذ عام 2004 قد كشفت عن مدى هشاشة ارتباط هذه المدينة باليمن الموحد، ومدى ضعف ولاء بعض القبائل الضاربة حولها للثورة والجمهورية. هذا من ناحية. كما فضحت تلك الحرب –من ناحية أخرى– مدى ازدواجية المعايير التي كانت –وما زالت- تتعامل بها الدولة اليمنية بمختلف تسمياتها القديمة والجديدة مع هذه المنطقة أو تلك من مناطق اليمن. فقد اتضح للقاصي والداني أن المعايير التي تتعامل بها هذه الدولة في المناطق الشمالية تختلف كماً وكيفاً عن المعايير التي تتعامل بها في المناطق الوسطى والجنوبية، انطلاقا من دوافع طائفية ومناطقية بغيضة، ربما. وحتى وإن كان لا يصرح بتلك الدوافع علنا إلا أنها قد تكون مترسخة في العقل الباطن لدى أصحاب الحل والعقد في الدولة اليمنية. والممارسات على الأرض خير شاهد على ذلك. ودعونا نكون صرحاء.
البعض قد يستغرب ويتساءل مشككا بتشنج: كيف يحدث هذا؟ أمعقول أن يكون ذلك صحيحا بعد اثنين وأربعين عاما من قيام الثورة في عام 1962وبعد سبعة عشر عاما من عودة وحدة اليمن في عام1990؟
وفي الحقيقة أن ذلك هو الواقع، وتقع المسؤولية الكبرى في ذلك على الحكومة اليمنية، بطبيعة الحال فالحكومة اليمنية، ممثلة بأجهزتها المختلفة وعلى رأسها القوات المسلحة والأمن، والتي انشغلت خلال العقود الأربعة الماضية بتأكيد هيمنتها وفرض سيادتها على المناطق الوسطى والجنوبية متبعة في هذه المناطق سياسة صارمة وحازمة لا هوادة فيها، لم تحاول يوما بسط سيادتها الحقيقية على المناطق الشمالية من اليمن وفرض هيبة الدولة وسيادة القانون فيها، إنما ظل همها الأكبر منصبا على إخضاع مناطق الوسط والجنوب والشرق، نتيجة لحساسيتها الطائفية تجاه أبناء هذه المناطق والذين يشكلون عصب المجتمع اليمني. ولذا فإن وحدات وفيالق الجيش والقوات المسلحة الضاربة لا تجدها في المناطق الشمالية من البلاد إنما تجدها معسكرة في المناطق الوسطى والجنوبية والشرقية فقط مثل تعز وإب ومأرب (وحاليا عززت هذه القوات وجودها في حضرموت وباقي مناطق الجنوب والشرق) ولقواد الجيش في هذه المناطق الكلمة العليا التي تفوق كلمة محافظ المحافظة وغيره من المسؤولين السياسيين.
صحيح أن الحكومة كانت تقوم بتعيين ممثلين لها في صعدة، كالمحافظ مثلا، للقيام بأمورالمحافظة، مثلها مثل أي محافظة يمنية أخرى، بيد أن ذلك شيء وواقع الأمر الذي كان جاريا شيء آخر. ففي واقع الأمر أن مهام أولئك المسؤولين الرسميين كانت – في الغالب – تقتصر على أمور شكلية كافتتاح هذا المشروع أو ذاك أو هذه المدرسة أو تلك (هذا على قلة الطلاب الدارسين أو الراغبين في الدراسة والعلم - ولم يكن هؤلاء المسؤولون الحكوميون يمارسون أية صلاحيات حقيقية على الأرض، بمن في ذلك القضاة الشرعيون والمسؤولون العسكريون والأمنيون، إذ أن الوظائف المهمة كالقضاء والأمن والتي هي من أهم وظائف الدولة، قد تركت لشيوخ القبائل الذين كانوا وما زالوا يمارسون مهامهم في هذا الخصوص بإرادة كاملة وبحرية شبه تامة، وذلك وفقا للأعراف والعادات القبلية المتعارف عليها ومن دون أي التزام بقانون أو تشريع محدد، ودون أي تدخل من الحكومة. بل أن الحكومة نفسها – فضلا عن تفريطها الخطير في سيادتها على هذا النحو في هذه المناطق المحسوبة على طائفة معينة – كانت عادة ما تلجأ إليهم لحل بعض المشاكل المعقدة أو المزمنة التي ُتلقى على عاتقها بعد أن يكون الحل قد استعصى عليها ووصلت بشأنه إلى طريق مسدود. وكان شيوخ القبائل في المناطق الشمالية – المنتمين إلى حاشد وبكيل تحديدا - يحصلون بالمقابل بل ولمجرد إعلان ولائهم الظاهري للثورة والجمهورية أو حتى لمجرد كونهم من أتباع الطائفة التي بيدها مقاليد الأمور الحقيقية في اليمن حاليا – يحصلون على المكافآت والاعتمادات المالية الكبيرة والتي كانت – وما زالت – بندا ثابتا يدرج ضمن الموازنة العامة للدولة والمعتمدة سنويا من قبل مجلس النواب. كل ذلك وغيره قد عزز من سلطات وصلاحيات شيوخ القبائل هؤلاء وفاقم من نفوذهم وهيمنتهم على مقاليد الأمور في مناطقهم، حتى أصبح الواحد منهم دولة داخل الدولة.
وفي حين كانت الحكومة اليمنية تتعامل على هذا النحو غير المسؤول والمتراخي بل والتشجيعي أحيانا في المناطق الشمالية ذات المرجعية الزيدية ومنها مدينة صعدة معقل المذهب الزيدي، كانت – وما زالت - تتعامل بأسلوب آخر يتسم بالشدة والحزم وعدم التهاون إزاء أي شيء يمس سيادة الدولة وهيبتها في المناطق الجنوبية والوسطى. ولو أنها تعاملت مع اليمنيين في كل المناطق بعدالة وبشكل متساو وغير متحيز لطائفة معينة لما حدث ما حدث ولكانت صعدة حاليا مدينة هادئة مستقرة مثلها مثل أي مدينة يمنية أخرى.
ثانيا: ليس صحيحا ما ذكره الأستاذ عبد الباري طاهر من أن الطائفتين (السنة والشيعة) قد ولدتا من رحم الاختلاف على الإمامة...! فهو يعلم أن المذاهب السنية الأربعة لم تنشأ إلا في القرن الثالث الهجري.علما أن هذه المذاهب نشأت في أروقة المساجد وعن طريق المدارس الإسلامية التي ظهرت في القرن الرابع الهجري بعد أن شاع أمر الحركات الباطنية والاسماعيلة والرافضية في كل مكان. ولم يكن شعار أي مذهب من المذاهب الأربعة هو السيطرة على الحكم إنما كانت الدول الحاكمة هي التي تتبنى هذا المذاهب أوذاك دون أن يكون لديها حساسية تجاه المذاهب الأخرى، ولاسيما السنية.
وهذا بعكس مذاهب الشيعة المختلفة، ومنها المذهب الزيدي، والتي نشأت أساسا كحركات سياسية سرية هدفها الأساسي هو الحصول على الإمامة وإعادتها إلى آل البيت العلوي، كما يدعون.
ثالثا: وليس صحيحا أيضا ما ذكره الكاتب عن احتفاء الدولة وتشجيعها للتيارات السلفية الوهابية والشافعية وأن ذلك "يخلق تحفزاً ونعرة لإحياء المذهب الحاكم منذ أكثر من ألف عام"، على حد قوله، وليأتني بمثال حول احتفاء الدولة بالمذهب الشافعي.
والحقيقة أن ما قاله الكاتب ليس له أساس في الواقع، فالدولة أصلا غير مهتمة بالمطلق بالمذهب الشافعي، رغم كون الغالبية الساحقة من اليمنيين ينتمون إليه. بل إن الاهتمام الاكبر كان –ومازال – منصبا على أتباع المذهب الزيدي فالقضاء مازال جاريا تقريبا وفق هذا المذهب كون القضاة من الزيدية هم الذين يسيطرون على وزارة العدل وهم الذين يقومون بنشر مختلف الكتب الفقهية للزيدية ولم يفكروا يوما بطباعة كتاب واحد للشافعية. وكذلك بالنسبة للتلفزيون والإذاعة.
وليعلم الأخ عبد الباري طاهر وغيره أن منصب رئيس المحكمة العليا ومنصب مفتي الجمهورية هما منصبان محتكران من قبل علماء المذهب الزيدي وهذا التقليد جار منذ قيام الثورة وحتى الآن وكأن علماء المذهب الشافعي غير مؤهلين لهذين المنصبين رغم أن علماء الشافعية هم الأولى بمنصب مفتي الجمهورية كونهم أغلبية، وأغلبية كبيرة تفوق نسبة 70% من الشعب اليمني.
في الواقع أن الحديث حول هذه الأمور يفتح الكثير من الجراح ونحن نتمنى على الدولة أن تعيد النظر في سياستها تجاه الطوائف لأن محاباة طائفة دون طائفة أخرى –لمجرد إذعانها ولعدم وجود صوت يمثلها– لا يخدم وحدة الشعب اليمني.
ومن جهتي أنا أرى أن الحكومة قد صبرت على جماعة الحوثي أكثر من اللازم وقدمت لهم الكثير من التنازلات والتعويضات التي لا يستحقونها لتمردهم ولخروجهم عن الجماعة، وليس لذلك من تعليل سوى كونهم ينتمون لطائفة معينة، أما لو كانوا ينتمون للطائفة الأخرى الأكبر لما كانت هناك مساومات ولا تنازلات ولسبق السيف العذل وخير مثال على ذلك معاملة الحكومة مع جماعة الفضلي في أبين وكيف كرست كل جهودها وقوتها للقضاء عليها دون أن تراعي فيها إلا ولا ذمة.
هذا والله من وراء القصد.
aldhurafi
الحرب في صعدة وازدواجية المعايير - أبوخالد المنصوري
2007-03-29