صنعاء 19C امطار خفيفة

ابتعدوا عن فلسطين تُنتخبوا: بريطانيا نموذجًا

كنس حزب العمال البريطاني نظيره حزب المحافظين من السلطة بأغلبية ساحقة، بعد أربعة عشر عامًا من حكمه لبريطانيا، ساءت فيها أحوالها الاقتصادية والاجتماعية، وانتشر فيها الفقر، وزادت البطالة والتضخم برغم أنها دولة صناعية متقدمة، لأسباب منها:
١. خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي في استفتاء عام ٢٠١٦ في ظل حكم المحافظين.
٢. انتشار وباء كورونا عام ٢٠١٩.
٣. سوء القيادة تحت رئاسة بوريس جونسون التي يطلق عليها "الفوضوية".
٤. صعود قوتين اقتصاديتين كبيرتين هما الصين والهند تخصمان من رفاهية شعبها ومن قدرة بريطانيا الاقتصادية التنافسية في السوق الدولية.
بريطانيا دولة لا تملك موارد كبيرة باستثناء نفط بحر الشمال الذي ستخسره لو استقلت اسكتلندا، ولكنها تعتمد على الإنسان الذي استعمر معظم العالم وسرق ثرواته، وعلى جودة التعليم والبحث العلمي، وعلى جامعاتها التي تنتج عقولًا تعوض نقص الموارد.
 
قبل عشرين عامًا انتُقد التعليم لقلة من يلتحق بكليات الهندسة التي تقود حضارتها، وتسهم في المحافظة النسبية على مركزها الاقتصادي والسياسي بالتبعية، واقتُرح تقديم حوافز للطلبة للاهتمام بالرياضيات في المدارس، ودراسة الهندسة في الجامعات. بريطانيا كغيرها من الدول الصناعية يقود تطورها قلة من سكانها لا تتجاوز ٥%، ومنهم العلماء والباحثون، وهي تخلو من المتطفلين الذين يأخذون ولا يعطون، ويعيشون على هامش مبدأ الأخذ مقابل العمل، وتخلو من المتبطلين الذين يتقاضون مخصصات، وهم خارج الخدمة المدنية، بالإضافة إلى أولئك الذين يزعمون أنهم قادرون على أن يدخلوك الجنة أو يخرجوك من النار، ويدمنوا نشر ثقافة التوكل والتواكل والرزق بالدعاء.
 
فاز حزب العمال في انتخابات ٤ يوليو بـ٤١٢ مقعدًا في مجلس العموم (٦٥٠ مقعدًا)، أي الثلثين تقريبًا. زعيم الحزب السيد كير ستارمر الذي حقق حلمه بالإقامة في ١٠ داوننج ستريت مع زوجته اليهودية التي لها أقارب في دولة الاحتلال، ورفض دعوة إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة، وأيد ما سماه حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، رغم تخصصه في حقوق الإنسان، عمل بنصيحة سلفه توني بلير لقائده السابق جيرمي كوربين، بأن يكون له برنامج انتخابي يوصله إلى السلطة، بعبارة أوضح "موالٍ لإسرائيل". كوربين ظل صادقًا مع معتقداته المناهضة للاحتلال وللإمبريالية الأمريكية، ولم يقبل النصيحة. وبالتدريج صوبت الدعاية الصهيونية في بريطانيا حملاتها ضده، التي بلغت ذروتها عندما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية عام ٢٠١٩، واتهمته بالتهمة المكررة على مدى ثلاثة أرباع القرن: معاداة السامية، مع أن مواقفه من فلسطين واحتلال العراق لا تختلف عن مواقف الأمم المتحدة منها. وعندما حانت لحظة الانقضاض عليه وقتله سياسيًا، اتهمه كبير خامات يهود بريطانيا قبيل تلك الانتخابات، بمعاداة السامية، وكان لتلك التهمة وزنها الثقيل، وكانت في نفس الوقت إيذانًا بانتهاء زعامته لحزب العمال، وفشل الحزب في الانتخابات.
وعندما تولى نائبه ستارمر القيادة خلفًا له، الذي لزم الصمت طول الوقت، كان أول عمل له هو إبعاد فريق كوربين من الحزب، تحت غطاء محاربة العداء للسامية في الحزب، وبذلك اصطف مع كبير خامات اليهود البريطانيين بإدانة زعيمه السابق، وقد بلغ به الخنوع للوبي الصهيوني قيامه بتعليق عضوية كوربين في الحزب.
 
النفوذ الصهيوني طاغٍ في بريطانيا رغم أن عدد يهودها لا يتجاوز الثلاثمائة ألف مواطن، لكن نفوذهم في الأحزاب الثلاثة: العمال والمحافظين والديمقراطيين الأحرار، قوي جدًا. أما المسلمون والعرب فلايزالون في بداية الطريق، ولا نصير لهم خارج بريطانيا، كما هو حال اليهود الذين يتضامنون مع بعضهم البعض كالجسد الواحد. وإذا ما عرجنا على العرب بثرواتهم وصناديقهم السيادية المقيمة في لندن، واستثماراتهم التي تعد إحدى الروافع المهمة للاقتصاد البريطاني، فقد فشلوا في تحقيق ما يلي، وما يلي لم يفكروا به إطلاقًا:
- تصحيح موقف بريطانيا من وعد بلفور، واعتذارها للفلسطينيين، وتعويضهم عما خسروه وما حل بهم من كوارث لأكثر من قرن، بسبب سياساتها الصهيونية منذ الوعد والانتداب عام ١٩٢٢ وحتى اليوم.
- اعترافها بحق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم، وإنشاء دولة فلسطينية كاملة السيادة والاستقلال وفقًا للقرار الدولي رقم ١٨١، الذي كانت أحد مهندسيه، وليس بالتفاوض مع دولة الاحتلال.
- تعويض الفلسطينيين عما ألحقته سياساتها الصهيونية بهم من كوارث وخسائر بعد وعد بلفور والانتداب.
إذا فعلت كل ذلك، فستكون قد طهرت نفسها من ذنوبها ومن جرائمها، وستكون بالفعل دولة ديمقراطية حقيقية تؤمن بمبادئ حقوق الإنسان، وبحق الشعوب في تقرير مصيرها، وبحقها في مقاومة الاحتلال التي مارستها هي في الحرب العالمية الثانية خارج أراضيها ضد النازية، وتؤيده أو تعترض عليه اليوم لأهداف سياسية ذات صلة بتبعيتها للسياسة الأمريكية.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً