صنعاء 19C امطار خفيفة

لا أحد يكافح الكوليرا في اليمن!

2024-07-03

أصبح من المشاهد المعتادة لأعيننا تزاحم المرضى المنهكين من الكوليرا على أسرة المستشفيات وأرضياتها الباردة، حتى نكاد ننسى في كثير من الأحيان أنه وباء شرق آسيوي لم يستوطن اليمن منذ القدم.

كانت الكوليرا كابوسًا جاثمًا في الصين والهند، فتكت بالملايين. وقد ظهرت لأول مرة كوباء في الهند في عام 1817، ونتيجة للتوسع الاستعماري، والنشاط الإمبريالي، وحركة التجارة في ذاك الحين، تطاولت أطراف الوباء حتى وصل إلى بريطانيا في عام 1831. وبينما كانت لندن والهند البريطانية تعانيان من خسائر فادحة بسبب الكوليرا، فقدت بريطانيا ما يقدر بـ130 ألف مواطن على مدار خمس موجات مستعرة من الكوليرا، والتي أخذت تفقد زخمها ويتم السيطرة عليها تدريجيًا. في حين أنه خلال ثلاث موجات من نفس المرض، كانت الهند قد فقدت 15 مليونًا، ثم 25 مليونًا آخرين خلال الثلاث الموجات التالية.

كيف سيطرت بريطانيا العظمى على الوباء قبل اكتشاف البكتيريا المسببة للكوليرا؟

هذا الفرق الهائل في الوفيات بين بريطانيا والهند هو انعكاس مباشر للفرق الهائل في الجهود المبذولة والعامل البشري وردود فعله تجاه الوباء.

خلال الوباء الأول، كتب السير جيمس كاي شاتلوورث -وهو أمين مجلس الصحة في مانشستر وطبيب إصلاحي شهير ينادي بحقوق الفقراء والتعليم والأبحاث الوبائية: "إن غزو هذا الطاعون يعري بشاعة الشرور التي افترست طاقات المجتمع، والذي من واجبه أن يتتبع خطوات رسول الموت هذا، لا بد وأن يهبط إلى مستنقع الفقر حيث القحط الشديد والمرض يجتمعان حول مصدر السخط الاجتماعي والخلل السياسي في مراكز مدننا، ويلاحظ في ذعر، على السرير الساخن للطاعون، محنًا تتقيح سرًا في قلب المجتمع."

مناشدات شاتلوورث التي نقلت صورًا حية عن الكارثة، وبراون سيكوارد الذي ابتلع قيء مصاب بالكوليرا ليختبرها على نفسه، وجون سنو الذي تتبع بيوت المصابين ورسم خريطته التاريخية حتى وجد مصادر التلوث، والعديد من آباء الطب والمثقفين والرأسماليين الذين استثمروا في البنية التحتية، ثم أخيرًا روبرت كوخ الذي اكتشف البكتيريا الواوية المسببة للكوليرا وطرق انتقالها. أمام هذه الجهود الحثيثة، أصبح الطريق واضحًا لاحتواء الوباء والسيطرة عليه؛ يجب عزل المرضى ومخلفاتهم وتجفيف مصادر التلوث، والتعامل السريع لاستيعاب مضاعفات المرض، وهي المفاهيم المبسطة للحجر الحديث والتي لم تعرفها الهند حتى منتصف القرن العشرين.

إن المتتبع لتاريخ هذه البكتيريا العنيدة قد يبدو له كمشاهدة الأفلام القديمة، حيث تظهر مشاهد الموت والنظريات عن الهواء الفاسد الذي يقتل الناس، والخوف من المجهول والفقر المدقع، ثم موجة الانتشار العالمي للوباء وتضحيات الأطباء والمحاولات العديدة لاحتوائه حتى اختفى في الأخير وساد السلام. تبدو كمشاهد فانتازيا لم تعد في عالمنا بعد اليوم.

والحقيقة، فإن الحياة في اليمن أصبحت أفلامًا لا تنتهي. فكيف استقدمت اليمن هذا البؤس من القرن التاسع عشر؟

منذ عام 2016 ونحن نشهد موجات متلاحقة من الكوليرا التي لم نعتد أن نسمع بها من قبل سوى في كتب المدارس، والتي علمتنا بوضوح أن "دخول الحمام ليس كخروجه". فما تكاد إحداها تختفي حتى تصرخ الطرق الموحلة، وانعدام أساسيات النظافة، والصرف الصحي: هل من مزيد؟

ما الفائدة من علاج المرضى بالمحاليل دون العلاج الجذري لمصادر التلوث وحجر المصابين؟

ولماذا في 2024 ما زال اليمني في مختلف أنحاء اليمن يموت بالكوليرا؟

لم يختر اليمني تمزق البلد، كما لم يختر الحياة حيث لا تصله خدمات الصرف الصحي، ولم يختر الفقر وسوء التغذية الذي أودى به إلى الموت من مضاعفات المرض.

هذا اليمني الذي لم يجد ما يأكله في حياته، مات وهو يتقيأ الحياة!

محاليل الإرواء لا تكفي، نحتاج إصلاحات حقيقية، نريد علاجًا فعالًا، نريد عدالة توزيع الموت.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً