صنعاء 19C امطار خفيفة

ضرائب القات في تعز (صورة مدمجة النداء)

تعز.. الضريبة في قبضة الجيش

تعز.. الضريبة في قبضة الجيش
ضرائب القات في تعز

في محافظة تعز، جنوبي غرب اليمن، تصاعد فساد ضريبة القات وتوريدها إلى مستويات تثير القلق. المصالح غير المشروعة لقيادات في السلطة المحلية التابعة للحكومة الشرعية، حرمت المالية العامة للدولة من مليارات الريالات. متعهدون يدفعون رشاوى طائلة لقادة الجيش، الذين حولوا ضريبة القات من مصدر هام للإيرادات، إلى وسيلة للكسب السريع والإثراء غير المشروع.

مؤخرًا تصاعدت الخلافات بين قيادات السلطة المحلية بتعز، واحتدمت صراعاتهم على عمولات ضريبة القات التي تتدفق إلى جيوب بعض القادة، ووصل الأمر إلى وزارتي المالية والإدارة المحلية في عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد.

مذكرة من الإدارة المحلية بخصوص ضريبة القاتألزمت وزارة المالية قيادة السلطة المحلية بتعز بعقد جديد مع متعهد الضريبة. بموجبه تم رفع مربوط التوريد اليومي من 11 مليونًا و200 ألف إلى 15 مليونًا و200 ألف ريال.

ومع ذلك، كان هناك فساد يتعلق بعمولات الضريبة. مسؤولون وقادة عسكريون كانوا يستلمون رشاوى يومية من متعهدي التحصيل. ردًا على ذلك، قررت السلطة المحلية بالمحافظة السيطرة على مراكز التحصيل، وطرد المتحصلين.

خلال الأعوام 2020-2024، تم توقيع عقود تحصيل ضريبة القات، وارتفعت الموارد إلى 11.2 مليون ريال يوميًا. ومع ذلك، خسرت المالية العامة 1.08 مليار ريال خلال 9 أشهر فقط، بسبب عمولات غير قانونية.

موظفو مكتب مصلحة الضرائب يشيرون إلى أن ضريبة القات تعد واحدة من أكبر بؤر الفساد في المحافظة. ويشترط المسؤولون نسبة تصل إلى النصف تقريبًا من العمولات لصالحهم.

أحد متعهدي الضريبة "الجابري"  حمل في بيان صادر عنه نهاية مايو الماضي، قادة ألوية عسكرية مسؤولية نهب ضريبة القات، لكنه لم يذكر أسماءهم.

 

أموال مفقودة وعمولات يومية

في أول يوم دوام حكومي عقب إجازة عيد الأضحى، رفعت إدارة ضريبة القات تقريرًا إلى مدير مكتب  المصلحة، يفيد بامتناع متعهد الضريبة عن دفع المربوط اليومي إلى البنك المركزي وفقًا للعقد المبرم معه  وتوجيهات  وزيري المالية والإدارة المحلية، منذ أواخر شهر مايو 2024 حتى تاريخ التقرير، إذ وصلت المبالغ التي لم تحصل خلال شهر  إلى أكثر من 400 مليون ريال.

في حجرة كبيرة بالدور الأرضي  في مكتب الضرائب، يجتمع محمد سيف،  مدير إدارة ضريبة القات، وأربعة من موظفيه، عملهم محدود جدًا، ووجودهم في المكتب لا يتجاوز التوقيع على حافظة الدوام، فعقود الضريبة على مدى سنوات يتم توقيعها خارج المكتب وفقًا لشروط ومصالح  طابور طويل من الوكلاء ومدراء العموم والقيادات العسكرية، تضمن في المقام الأول مصالح غير مشروعة، يتوجب على كل متعهد يُرسى عليه العقد إيصال العمولات يوميًا إلى منازل وفلل المسؤولين.

متعهد يبلغ عن قيام قادة عسكريين بالاستيلاء على الضريبة في مدخل المحافظة

موظفون في مكتب مصلحة الضرائب قالوا  لـ"النداء"  إن عمولات مسؤولين في ديوان المحافظة وقيادات عسكرية أعاقت تنمية المورد المحلي،  إذ يشترط المسؤولون نسبة تصل إلى 40% عمولات يدفعها لهم كل متعهد خارج بنود العقدم المبرم.

 

تقديرات

منذ أكثر من عام حدد مختصون في مصلحة الضرائب متوسط المبالغ التي يتم تحصيلها يوميًا من نقاط التحصيل في مداخل مناطق سيطرة الشرعية، وفقًا لعمليات مسح، بين 28 مليون ريال، ولا تقل عن 18 مليون ريال يوميًا.

خلال الأعوام 2020-2024م، بدأت عقود تحصيل ضريبة القات بعد أن كانت تذهب مجهودًا حربيًا للجبهات. شرعت السلطة المحلية ومكتب المصلحة بتوقيع أول عقد بمربوط يومي 450 ألف ريال، وارتفعت الموارد  في العقود التي تلته إلى 4 ملايين و8 ملايين وصولًا إلى 11 مليونًا و200 ألف ريال يوميًا وفقًا لعقد أُبرم في سبتمبر 2023م، استمر العمل به حتى أواخر مايو 2024م.

مذكرة من المالية بخصوص ضريبة القات

وخلال 9 أشهر فقط، وفقًا لآخر عقد استمر العمل به من 1 سبتمبر 2023م حتى 30 مايو 2024م، خسرت المالية العامة مليارًا و80 مليون ريال عمولات غير قانونية، ذهبت لصالح مسؤولين وقيادات عسكرية، بواقع 4 ملايين ريال يوميًا.

"كنت أحصل يوميًا على 50 ألف ريال من متعهد ضريبة القات السابق، لكنهم قطعوها اليوم" تحدث لـ"النداء" مرافق شخصي لأحد المسؤولين.

 

نهب بحماية عسكرية

"ضريبة القات يجب تحصيلها من قبل موظفين في المصلحة، ووفقًا لدراسات لتقدير سقف التوريد اليومي، وبسندات تحصيل  خاصة بوزارة المالية، لكنهم استبعدوا القانون، وأتوا بمتحصلين من خارج المصلحة لضمان عمولاتهم"، يتحدث موظف في مكتب الضرائب لـ"النداء"، مطالبًا وزارة المالية ومصلحة الضرائب بتحييد الضريبة وحمايتها من القادة العسكريين،  ومنع تحويلها إلى مصدر إثراء غير قانوني  للمسؤولين.

ليست المرة الأولى التي يتم فيها نهب ضريبة القات في تعز، يقول لـ"النداء" مدير مكتب ضرائب تعز السابق فهمي العريقي، إنه سبق خلال العام 2021م نهب ومصادرة ضريبة القات في نقاط الجيش، وإن عملية النهب استمرت منذ تاريخ 10 سبتمبر 2021م حتى 30 أبريل 2022م.

في 10  سبتمبر 2021م، سيطرت قوات عسكرية على نقاط التحصيل التابعة لمتعهد الضريبة "الصرمي"، وطردت المتحصلين منها، وخلال مدة استمرت سبعة أشهر فقدت المالية العامة أكثر من مليار ريال.

أحال مكتب الضرائب قضية نهب الضريبة مع المتعهد السابق "الصرمي"، إلى نيابة الأموال، التي شرعت في التحقيق في مصير أكثر من 800 مليون ريال، وفقًا لتأكيد مصادر قانونية، لكن القضية انتهت في أدراج النيابة، واختفت القضية منذ أكثر من عامين.

يقول مصدر قانوني لـ"النداء" إن أطرافًا عديدة شريكة في نهب الضريبة، وما حدث في العام 2021م يتكرر اليوم.

 

تجربة مريرة

في أغسطس 2023م، تقدم موظف الضرائب لطف الرداعي، بعرض سعري للجنة مشكلة من السلطة المحلية ومصلحة الضرائب. مذكرة الرداعي حددت مربوطًا يوميًا بمبلغ  13 مليون ريال، لكن اللجنة حسمت قرارها بعرض آخر:  11 مليونًا و200 ألف ريال.

تم رفض عرض سعري وقبول اخر بنقص نحو مليوني ريال يومياً

يقول الرداعي لـ"النداء": ضريبة القات يتم إبرام عقودها خارج إطار الوظيفة العامة ومؤسسات الدولة، وتبرم داخل فنادق وغرف مغلقة.

يدخل نهب ضريبة القات في تعز شهرًا آخر لم يصدر حتى الآن أي موقف من الأحزاب السياسية، ولم نرَ أي تحرك للسلطة المحلية.

في حديثه لـ"النداء" عبر مدير مكتب مصلحة الضرائب بتعز انور السبئي، عن استيائه من نهب الضريبة، وقال: المسؤولية يتحملها جميع المعنيين، وفي مقدمتهم قيادة السلطة المحلية التي لم تتحرك إلى اليوم، كون الضريبة تعنيها أولًا باعتبارها موردًا محليًا.

ردًا على استفسارات "النداء"، قال مدير مكتب المالية بمحافظة تعز د. عبدالرحيم السامعي، إن ضريبة القات تورد إلى البنك المركزي يوميًا بصورة منتظمة، لكن مصدرًا في البنك المركزي اليمني بعدن، أكد لـ"النداء" أن توريد المربوط اليومي للضريبة متوقف منذ أكثر من 10 أيام.

تعد ضريبة القات أحد الموارد المحلية غير المركزية، يذهب جزء كبير منها لصالح السلطة المحلية، و25% منها لصالح صندوق النشء والشباب بوزارة الشباب والرياضة، كما تذهب نسبة منها لصالح مصلحة الضرائب كعمولة تحصيل.

 

تجاوزات مستمرة

كشف تقرير صادر عن وزارة الإدارة المحلية، حصلت  "النداء" على نسخة منه، عن  اختلالات كبيرة في تحصيل ضريبة القات بمحافظة تعز، وأوصى التقرير باختيار متحصلين من موظفي مكتب المصلحة وفقًا للقانون. كما أوصى التقرير الصادر منتصف العام 2023م، بتفعيل إدارة الرقابة على الضريبة، لتقوم بدورها الرقابي في مراقبة ومتابعة عملية التحصيل.

يتم تحصيل  ضريبة القات يوميًا من خلال قيم سعرية تتراوح بين 800 و2000 ريال للكيلوجرام الواحد.

وفقًا لتقديرات مختص في تحصيل الضريبة، فإن كمية القات التي يتم ترسيمها في 7 نقاط تحصيل بتعز،  تصل يوميًا بالمتوسط إلى 15 طنًا، وأن أغلب الكميات التي تستهلك في مناطق الشرعية بالمحافظة،  تأتي من مديرية ماوية شرقًا، ومحافظة البيضاء ومناطق في خدير، إلى جانب كميات موسمية تأتي من مديريات صبر الثلاث والمعافر والمواسط.

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً