صنعاء 19C امطار خفيفة

الكتابة بالحبر الأحمر!

في القضايا التي تثير جدلًا حادًا ذا طابع سياسي اقتصادي قانوني، يتريث المرء، لا يدلو بدلوه، ليس تهربًا ولا تحينًا وانتهازًا للفرص للوقوف مع هذا وذاك من أطراف الصراع.. فالقضايا التي تثير جدلًا لارتباطها بمصالح وطنية عليا، تتطلب إلمامًا وحكمة، وتتطلب موقفًا يفيد، وليس من قبيل صب المزيد من مواد الاشتعال، ذلك ما أراه حول الموضوع الذي عنه أتحدث وأكتب... هو موضوع جوهره قمة الاشتعال، أتحدث هنا عن الموضوع المثار بشأن أيلولة ميناء عدن الدولي لإحدى الجهات بدولة الإمارات، كما تشير إلى ذلك مراسلات الأخ رئيس المجلس الانتقالي للأخ أحمد عوض بن مبارك، رئيس الوزراء، مع ما تبين من وجود لغط في التوجيه يضع علامة استفهام حول تأدية مهامهم كرئيس وزراء، وأخرى تتعلق بمدى دقة مبررات استبعاد الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة من تأدية دوره المنوط به قانونًا لمراجعة حسابات منشأة ميناء عدن وأية منشأة أخرى، ذلك دوره المكفول قانونًا لا يملك أحد الحجر عليه.
 
قبل الدخول بمعترك التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان الذي لا نريد له التمكين والاستحواذ على منشأة تمتلك من عناصر القوة الناعمة والميزات التي تغري كل ذي بصيرة يسعى بشتى السبل لضمه لسلاسل نشاطاته، ولا يخفى على أحد ما لميناء عدن من الميزات النسبية للموقع تجعل منه ميناء تتنافس عليه الذوات التي تريد، ولها أن تريد، لكن الأهم والأكثر أهمية هو ماذا نريد نحن؟ ذلك أمر تقرره الإرادة الخالصة المستقلة للبلد، وعند انتفاء ذلكم الشرط الأساس، دعونا نستخدم حبرًا أحمر يشار به للممنوع وعدم جواز المرور لإحداث أية نقلة يترتب عليها نتائج ومضار تكرر، بل تضيف بصمات لبصمات سابقات تركت بصمات سوداء في صفحات تشغيل الميناء بكافة مهامه الاستراتيجية، ولا يخفين على أحد نتائج ما كان من اتفاق تشغيل الميناء منذ سنوات خلت بواسطة شركة إماراتية ماتزال أضابير الملفات تشير لمواطن لا نقول عجزًا، ولكن عدم رغبة تمكن من رفع القدرات التشغيلية لمحطة الحاويات، وتسعى بالتالي لتخليق أنشطة أخرى كان مفترضًا القيام بها، لكن ذلكم لم يكن بالبال ولا بالخاطر، بالها كان مشغولًا بوادٍ آخر.. فعلم المنافسة يقول: كيف لمطور قلبه وعقله ميالان لجهة أخرى، لجبل علي، الصرح العولمي الذي رسمته وسعت لضمان نجاح تشغيله استثمارات عولمية لدوائر العولمة، ليشكل كل من جبل علي مع هونج كونج وسنغافورة مراكز متقدمة منافية دائمة لحركة التجارة الدولية، وزادت مكانة هذا الثلاثي تعاظمًا، بل قل توحشًا حين احتدت المنافسة مع الصين، وعنوانها المغير لجغرافية التجارة الدولية عبر مشروعها المكتسح طريق الحرير، وعدن كانت ضمن مرمى وقوس قزح مبشر بالخير مع مشروع طريق الحرير الصيني، وقد كان وصار ما تم بين بلادنا والصين بهذا الشأن، زمن الرئيس المقال عبد ربه منصور هادي.
 
هنا لن نتبع القول الساذج... لن نبكي على اللبن المسكوب... كلا سنتحسر ندمًا وأيما ندم على من أهدر علينا وعلى بلادنا ومدينة عدن ومينائها العالمي، تلك الفرصة الذهبية، وللعلم الفرص لا تذروها الرياح بالمجان، ولا تأتي الفرص النادرات إلا بشق الأنفس... لدينا كل ما يولد الفرص التاريخية المفيدة للبلد، لكن تنقصنا حكمة العقل والتعقل والإمساك بسيادة القرار المستقل.
ولذا نقول إن تجربة كانت فاشلة بكل المعايير، وأساس فشلها كما أشرت عدم السماح لميناء عدن بموقعه أن يقضي على منجز جبل علي كمحطة حاويات، وقد نتنازل ونتواضع قولًا ألا يسمح بوجود منافس يقتص من دوره ومكانته كما خطط له أن يكون، لكن سؤالنا: لمَ على حساب مصالحنا تتم الأمور؟!
 
قلت بعنوان مقالي الكتابة باللون الأحمر، ذلك يعني أن ثمة شيئًا ما يمنع من المضي قدمًا بخطوة كهذه، لهذا يقال عند الضرورة يرفع الحكم الكروي الشارة الحمراء، وإشارة المرور الحمراء تعني عدم المرور، والعلامات الحمراء التي ترافقت مع الإعلان عن هذا الموضوع من كل حدب وصوب، كما تصاعدت أصوات مؤيدة ذلك تبيان ومؤشر على أن ثمة خطرًا محدقًا ينبغي الانتباه إليه وإعارته ما يلزم من اهتمام، لأن وضع البلد الكارثي لا يتطلب مزيدًا من الإرباك والانحيازات الضيقة التي تزيد من إرباك الوضع السياسي والاقتصادي والأمني المرتبك أصلًا، ولا داعي بالمطلق لخلق اصطفافات تتدثر مع أو ضد مشروع الإحالة للميناء لشركة على سابق نشاطها الكثير من علامات استفهام لا ينبغي إسقاطها تحت أي معيار.
 
أعود للقول إن العلامات الحمراء التي تحول دون المضي قدمًا بمنح الشركة الإماراتية الاستحواذ على ميناء عدن، وذلك لعدة اعتبارات ذات صلة بمفاهيم عدة منها:
 جوانب دستورية وقانونية ينبغي مراعاتها بدقة كاملة لما لها من أثر وتأثير مستقبلًا إن نشأ أي خلاف.
اعتبارات اقتصادية خاضعة لمبدأ التشغيل الأكفأ عبر دراسات جدوى تعدها جهات ذات اختصاص.
عقبات قانونية ودستورية.
 
الأكثر أهمية من ذلك كله الخيارات الأفضل اقتصاديًا لا تتخذ حالات الحرب وعدم الاستقرار والاحتراب الداخلي، بخاصة إن كانت ثمة إشكالات تتنازع قوة ومتانة القرار السيادي الخشية كل الخشية أن يطمح البعض التغول عبره لتحقيق مآربه ومصالحه بعيدًا عن المصالح العليا للبلد في الظروف السيادية الطبيعية أهلًا وسهلًا بكل الاستثمارات، وليس الاستحواذ، ولا مناص أن أجواء التباينات السياسية التي ترافقت مع الموضوع تصفعه وتضع أمامه المزيد من حالات الاستفهام سياسيًا كتعبير عن حالات انقسام وتشظي للقرار السيادي الواحد، وذلك أمر مهم، بل مهم للغاية.
 
كلمة أخيرة جديرة بالإشارة ترى لمَ غاب جل صوت المجلس الرئاسي؟ هل هناك توافق أم أن التفرد يعني ترك الحبل على الغارب حتى نرى رد الفعل وما يترتب عليه؟
إن كان الأمر كذلك، فالأمر أخطر، لماذا؟ لأن ما بدأ يلوح في الأفق من شقاق وتباين في الآراء، سنأخذ الأمور ببساطة القول الخلاف بالرأي لا يفسد للود قضية.
 
الأمر أخطر من ذلك، جيوش من كل حدب وصوب تزيد النار اشتعالًا، ووضع البلد ما أحوجه للعقل سيدًا يقود السفينة دون شقاق... هنا أقول للمجلس ما هي المجالس المتخصصة التي حرصتم على تكوينها لتكون لكم سندًا استشاريًا تعمل بحرية بعيدًا عن المماحكات والاستقطابات التي فقط تزيد الطين بلة، ولكن أجد نفسي أعض على النواجذ، فالذي يرفض قيام أجهزة الدولة بمهامها المنوطة كيف له أن يكون أشكالًا أخرى إنها مأساة.
 
أعيدوا تلقف الملف بينكم، واستشيروا، ففي المشورة إزاحة لأعباء لا داعي لأن يتحملها المواطن والوطن، فكفى ما ينوء بهما من هموم وأعباء وأثقال قاتلة.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً