صنعاء 19C امطار خفيفة

كهرباء عدن.. أزمة مزمنة وفساد يحجب الضوء

2024-06-13
كهرباء عدن.. أزمة مزمنة وفساد يحجب الضوء
كهرباء عدن أزمة مزمنة (النداء)

داخل منزل متواضع بأحد أحياء مدينة عدن، كان عبدالرحمن (56 عامًا)، يتنفس بصعوبة، ويشعر بالاختناق. يعاني الرجل من مرض مزمن في القلب، ويومًا بعد آخر يكافح للبقاء على قيد الحياة، لكن ظروفه الاقتصادية المصاحبة لوضعه الصحي تجعل الأمر أكثر صعوبة.

نهاية مايو الفائت، استيقظ عبدالرحمن من نومه، ليجد نفسه في ظلام دامس. المروحة لا تعمل، والكهرباء مقطوعة منذ ساعات طويلة، والجو يصيبه بالضيق، ويضاعف من معاناته الصحية.

حاول بصعوبة الوقوف على قدميه، كان يعلم أنه بحاجة إلى الراحة والرعاية الطبية، وأن يتنفس هواء أقل حرارة مما هو عليه حينها. انتبهت زوجته للأمر، وسرعان ما تم إسعافه إلى مستشفى الجمهورية بعدن.

عدا عبدالرحمن، استقبلت مشافي عدن، خلال الأسابيع الماضية، حالات عديدة لمرضى الضغط والسكر والقلب وأمراض مزمنة أخرى. عدد كبير منهم ساءت حالتهم الصحية، ولم يعد بإمكانهم المكوث داخل منازلهم جراء الحر والرطوبة الشديدين.

يقول رئيس قسم الإعلام بمستشفى الجمهورية بعدن، عمرو عبدالله قريش، إن عددًا من هؤلاء وصلوا إلى المستشفى بعد أن فارقوا الحياة. ويضيف في حديثه لـ"النداء" أن حر الصيف وغياب الكهرباء من أبرز عوامل الوفاة التي تم تسجيلها لمن يعانون من أمراض مزمنة متقدمة.

في المقابل، اضطرت الطواقم الطبية في مستشفى الصداقة العام، بمديرية المنصورة في عدن، إلى تقديم الرعاية الصحية لنزلاء المستشفى في الحديقة الخارجية، بعد تعذر علاجهم داخل غرف وأقسام المستشفى التي تم إخراجهم منها جراء الحر الخانق الذي ضاعف من معانتهم.

 

أزمة مزمنة

خلال الأسابيع الماضية، شهدت مدينة عدن انقطاعات متكررة في خدمة الكهرباء، بلغت في ذروتها أكثر من 20 ساعة يوميًا. تعتمد محطات توليد الكهرباء في المدينة على الوقود (المازوت والديزل)، ومع زيادة الطلب على الكهرباء خلال فصل الصيف، أصبحت المشكلة أكثر تفاقمًا.

تتكرر المعاناة كل عام، وتواجه المدينة الساحلية وباقي مدن الجنوب، أزمة كهرباء مزمنة، حيث تتفاقم التحديات دون رؤية لحلول في الأفق. ووحده الفساد من ينخر في هذا القطاع الحيوي الذي يعاني من تبعاته الجميع، ويجعل عدن كما لو أنها مدينة غير صالحة للعيش صيفًا.

يتساءل المواطنون والمؤسسات في عدن عن مستقبل الكهرباء في مدينتهم، ويستنكرون عدم وضع حلول جذرية لهذه الأزمة التي باتت عصية عن الحل في نظر الحكومات المتعاقبة.

صبري القاضي، عامل في ورشة ألمونيوم بمديرية دار سعد بعدن، يعبر عن استيائه من تدهور الوضع في الورشة بسبب انقطاعات الكهرباء المتكررة.

يقول القاضي إن الكهرباء في عدن باتت "لا شيء"، ويشير في حديثه لـ"النداء" إلى أن الورشة اضطرت للاستغناء عن العديد من العمال بسبب ارتفاع تكاليف تشغيل المولدات البديلة.

انقطاع الكهرباء أثر أيضًا على القطاعات الحيوية الأخرى كالمدارس، والجامعات، إذ يواجه الطلبة صعوبات كبيرة، الأمر الذي يؤثر على أدائهم، ويعرض نتائج امتحاناتهم للخطر.

فطموح عبدالله لم يكن كافيًا كي يجتاز بجدارة امتحانات المرحلة الأساسية التي جرت الشهر الماضي في عدن. يعيش عبدالله، البالغ من العمر 15 عامًا، في مديرية التواهي، ويقول إن التعليم في الظلام والحر، أمر بالغ الصعوبة.

قبل فترة الامتحانات وخلالها، كان عبدالله يستيقظ باكرًا حتى يستطيع المذاكرة قبل أن تشتد حرارة الجو. الشمس لم تشرق بعد، لكن المصباح الكهربائي لا يعمل والظلام سيد المكان.

وفي قاعة الامتحانات يقول عبدالله إنه كان يشعر كما لو أنه داخل فرن. كان يحاول التركيز على الدروس، لكن الحرارة والرطوبة يجعلانه يشعر بالإرهاق.

وحين يعود إلى المنزل للاستعداد للاختبار التالي، يجد الكهرباء لاتزال مقطوعة، وما إن تعود لساعة أو ساعتين سرعان ما تنقطع ليحل الظلام مجددًا.

أظهرت صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، حجم المعاناة التي يتكبدها طلاب المدارس في عدن، في ظل صيف ساخن وكهرباء غائبة. كان الطلاب يتلقون دروسهم ويجرون اختباراتهم عراة في نصف أجسادهم العلوية، جراء الحر الشديد. ومع ذلك لم تكترث الحكومة لهذه المعاناة التي فجرت مظاهرات في شوارع المدينة.

 

ارتفاع حجم الطلب

 

يُرجع مدير الإعلام بالمؤسسة العامة لكهرباء عدن، نوار أبكر، أسباب تزايد انقطاعات الكهرباء في المدينة إلى عوامل عدة، منها ارتفاع حجم الطلب على الطاقة خلال فصل الصيف.

محطة خور مكسر

ويقول أبكر لـ"النداء" إن المعضلة الرئيسية التي تعاني منها عدن هي عدم تأمين كميات كافية من الوقود لتشغيل محطات التوليد. ويشير إلى أن عدن تعاني من انخفاض مخصص الوقود لمحطة الرئيس بترومسيلة، رغم جهوزيتها للدخول إلى الخدمة بكامل طاقتها بقدرة 260 ميجاوات، لكن عدم توفر النفط الخام الكافي لتشغيل المحطة يحول دون ذلك.

محطة الرئيس برتومسيلة

ويكشف أن حجم الطلب على الطاقة خلال الفترة الحالية وصل إلى 680 ميجاوات، ومن المتوقع أن يصل إلى 730 ميجا، بينما حجم التوليد المتاح 280 ميجاوات فقط، ما أدى إلى تدهور منظومة الكهرباء.

ويعترف أن مشكلة الكهرباء في عدن مستمرة منذ سنوات، لكنها أكثر سوءًا هذا الصيف، محذرًا من أن وضع الكهرباء سيتضاعف أكثر وأكثر مع السنوات القادمة، ما لم توجد الحلول.

ويقترح أن تكون هناك حلول آنية مستعجلة وأخرى مستقبلية، لتوفير محطات توليد طاقة تعمل بكلفة أقل، وتؤدي دورًا أكبر، عبر محطات تعمل بالغاز أو الطاقة المتجددة، أو طاقة الرياح، أو الطاقة الشمسية.

 

محطات عتيقة

تمتلك مدينة عدن العديد من محطات التوليد الكهربائي الحكومية التي تعمل جميعها بالوقود، بالإضافة إلى عدد قليل من محطات الطاقة المشتراة (الخاصة) المملوكة لشركات محلية لإنتاج الطاقة.

 

يعود تاريخ إنشاء أكبر محطة توليد استراتيجي في عدن إلى العام 1979، حين تكلف الاتحاد السوڤييتي السابق ببناء محطة الحسوة الكهروحرارية لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه، والتي دخلت الخدمة بشكل كامل عام 1989.

كان حجم توليد المحطة من الكهرباء حينها 67 ميجاوات، يكفي لتغطية الطلب على الطاقة في محافظات عدن، لحج، وأبين.

ومنذ ذاك الحين لم تشهد عدن إنشاء محطة توليد كهربائي بهذا الحجم إلا في العام 2018، حين وجه الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، شركة "بترومسيلة" المحلية بإنشاء محطة الرئيس بالقرب من محطة الحسوة، في مدينة الشعب بمديرية البريقة.

محطات الكهرباء في عدن عتيقة

استغرق العمل في تأسيس المحطة التي تستخدم الوقود الخام، حوالي ثلاثة أعوام، غير أنها لم تعمل بكامل طاقتها المقدرة بـ265 ميجاوات، إذ إن طاقتها التوليدية الحالية لا تتجاوز 60 ميجا؛ نتيجة عدم قدرة الحكومة على تأمين الوقود الكافي للمحطة.

وزاد الوضع سوءًا مع تهديدات جماعة الحوثي بقصف موانئ تصدير الوقود الخام، إذ تعذر توفير الوقود الخام من حضرموت إلى عدن عبر السفن، بعد أن اضطر المعنيون لاستخدام ناقلات النفط التي لا تحمل كميات كافية.

نهاية العام الفائت 2023، شهدت عدن إنشاء أول محطات للطاقة المتجددة تمثلت بمحطة الطاقة الشمسية التي تم تشييدها في منطقة بئر أحمد شمالي عدن، بطاقة توليدية 120 ميجاوات، بدعم من دولة الإمارات. غير أن المحطة اكتفت بالتشغيل التجريبي خلال شهر مارس الفائت، ثم توقفت حتى ساعة كتابة هذا التقرير.

 

ثقب أسود

 

وفقًا لرئيس الحكومة المعترف بها الدكتور أحمد بن مبارك، فإن قطاع الكهرباء يكلّف الدولة ما نسبته 31% من إيراداتها، ما يشير إلى فساد يحجب ضوء الكهرباء، ويلتهم موارد الدولة، الأمر لا ينسجم بين حجم الإنفاق ورداءة الخدمة المقدمة.

العام الماضي، تحدثت تقارير عن صفقات مشبوهة في قطاع الطاقة. كشف تقرير برلماني صدر أواخر أغسطس 2023، عبثًا وفسادًا طال محطات الكهرباء في عدن.

التقرير أوضح أن الموازنة المخصصة لقطاع الكهرباء في عدن بلغت عام 2020 نحو 569 مليار ريال. 98% من هذا المبلغ ذهب إلى جيوب موردي الوقود. تمت عمليات الشراء دون لجان مناقصة. فيما بلغت قيمة الطاقة المشتراة من محطات الكهرباء 219.3 مليار ريال خلال العام ذاته.

أوضح التقرير أن الحكومة صرفت أكثر من 43.8 مليون ريال من أجل تنفيذ الصيانة العمرية لمحطة الحسوة 1 المتهالكة، رغم إدراكها أن لا جدوى من إعادة تأهيلها، وأنه يمكن الاستفادة من المبلغ في إنشاء محطة جديدة وحديثة.

ووفقًا للتقرير، فإن تلك المبالغ الباهظة المصروفة على قطاع الكهرباء لم تحقق أية نتيجة ملموسة في واقع الخدمة، بل على العكس من ذلك، تراجع عجز التوليد إلى ما نسبته 75 %، خلال السنوات الأخيرة.

في ذروة صيف عام 2023، وتحديدًا في شهر يونيو، توقفت عدد من محطات توليد الطاقة بعدن، لكن هذه المرة ليس بسبب نفاد الوقود، بل نتيجة عدم مطابقته للمواصفات، بحسب المؤسسة العامة للكهرباء في عدن.

تم استيراد وقود غير مطابق للمواصفات، أصاب عدد من مولدات المحطات الحكومية بالأعطال، فضلًا عن تلويث البيئة، الأمر الذي أثار موجة احتجاجات واسعة في عدن، ودفع النائب العام إلى إحالة القضية إلى الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، للتحقيق فيها، وحتى اليوم مازالت نتائج التحقيق مغيبة.

خلال عام 2022، قامت الحكومة اليمنية برئاسة الدكتور معين عبدالملك، بشراء الطاقة الكهربائية من شركة "برايمز إنتربرايس"، بقيمة 128 مليون دولار، وطاقة إنتاجية 100 ميغاوات محمولة على باخرة ترسو في البحر.

جاء في تقرير اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في قطاع الكهرباء: "إن عقود شراء الكهرباء التي أبرمتها الحكومة هي الأعلى خلال السنوات الماضية، وإنها مخالفة للمعايير الدولية ومعايير القوانين اليمنية، وإن ذلك من أخطر بؤر الفساد في الموازنة العامة".

وأوضح التقرير أن العقد المبرم مع "برايمز إنتربرايس" كلف الدولة خسائر بأكثر من 550 مليون دولار، بسبب التأخر في تنفيذه، وأن الحكومة ووزارة الكهرباء ارتكبتا الكثير من المخالفات بهذا الجانب، دون مساءلتهما من الجهات الحكومية ذات العلاقة.

 

مصفاة عدن

 

منذ اندلاع الصراع في اليمن قبل نحو عقد من الزمان، وإعلان الحكومة المعترف بها عدن عاصمة مؤقتة للبلاد، فشلت الحكومات المتعاقبة في تأمين حاجة المواطنين من الكهرباء، رغم إنفاقها مليارات الريالات على هذا القطاع دون تحقيق نتيجة ملموسة.

ويرى خبراء اقتصاد أن الحل الأمثل أمام الحكومة اليمنية لتجاوز مشكلة وقود الكهرباء، وتجنب تكاليفها الباهظة، هو إعادة تشغيل شركة مصافي عدن، واستعادة دورها في تكرير النفط واستيراده.

ويقول أستاذ الاقتصاد وعلوم السياسة بجامعة عدن، الدكتور سامي محمد نعمان، إن تشغيل مصافي عدن سيعمل على توفير المليارات التي تنفقها الحكومات لاستيراد وقود الكهرباء، معتبرًا أن المصفاة ستشكل حينها عامل استقرار لتموين السوق المحلي بالوقود. ومؤكدًا في حديثه لـ"النداء" أن تشغيل المصفاة هو الحل أمام الحكومة لتفادي الثقب الأسود الذي يلتهم إيرادات الدولة.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً